فلسطين أون لاين

"قد علم كل أناسٍ مشربهم".. رسالة قرآنية من محرقة غزة

‏{ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ }

‏البقرة 60 

أيقونة حيثما يممت وجهك في أرجاء غزة ووقائع محرقتها اليومية، ودققت في التفاصيل القاسية، تجد نماذج وأيقونات فعل وتضحية وإيثار وفداء ونصرة ومقاومة وصبر وعطاء. والأيقونة الأعظم هو شعب غزة بكليته الذي يخرج من تحت الرماد والركام، مقطعة أوصاله، مدمرة بيوته، يعلوه غبار محرقة مزلزلة، وتسمعه هاتفا مكبرا مرددا عبارات الثبات والصمود والرباط، لتغدو غزة كلها لله، وغزة بأسرها أيقونة ونموذج الحرية والكرامة ومقاومة المحتل، والانتقال في مدارج الصبر ثباتًا ويقينًا وفداءً حتى النصر.

 نماذج من رجال ونساء وأطفال فاقت الوصف في شتى ميادين المقاومة والعمل. فمنهم ظريف الطول يخرج من عين نفق، ومن بين ركام ودمار، حافي القدمين، تعلو قدمه على رأس المحتل مصوبا، متقدما، شامخًا، يغدو أسطورة لا نظير لها بين جيوش العالم والتاريخ في بطولات مقاومة الشعوب.

وفي الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تلمع أسماء وعناوين لفضائيات ومواقع وصفحات شخصية ومراسلين، أيقونات جهاد ومثابرة وقتال من نقطة الصفر، لينتصروا في معركة الرواية ويحفظ العالم أسماء نجوم إعلامية جديدة، تمحو وتعلو على إعلام السحرة في عصابات الإبادة.

 وحال زيارتك لأي مشفى أو نقطة طبية على نطاق واسع أو ضيق، تجد ملائكة الرحمة برداء المشفى بألوان الاختصاص المتنوعة ومساحة العمل الضخمة، لتجد أيقونة عطاء رغم المستحيل، ونماذج تضحية، فمنهم مازال مرابطًا في ميدانه، ومنهم مئات من ارتقوا شهداء أو أسرى أو جرحى، { وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } (الأحزاب 23).

 وأطقم الدفاع المدني الذين يعملون بأظافرهم وأيديهم، ولا معدات، يخرجون في كل وقت وتحت حمم النار، ينقذون من تبقى من أشلاء، ويخرجون من تحت الركام من دفن حيًا أو شهيدًا، ويدافعون بإنسانيتهم عن شعبهم، وما زالوا على العهد أنهم رجال فداء وتضحية عزيزة وغالية.

 { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } (البقرة 60)، ففي كل مواقع الخدمة والعمل، ومؤسسات إغاثة ومجتمع مدني دولية ومحلية، ومراكز حقوقية ومراكز نزوح، وفي الشوارع رجال البلديات ولجان الطوارئ والعمل العام، والعاملين في حماية المعونات والمساعدات الإنسانية، وأصحاب المساهمات المالية، ومن يقومون بإعداد الطعام للآلاف من الناس، ومن يقدمون سقيا الماء، ومن يوفرون شيئًا من الطاقة، ومن يقومون بتنظيف وترميم الطرق والأحياء والشوارع، ومن يقدمون المبادرات والبرامج، ويرعون حفظ القرآن، ويحيون العلم بمجموعات الدراسة والمدارس. كل أولئك وغيرهم كثير، ربهم أعلم بهم، أيقونات تقدم النموذج لشعب فلسطين الحي في غزة الذي يواجه المحرقة عبر البث المباشر، ويواجه حرب الإبادة بلحمه الحي، بكل هذا العنفوان وهذا الصبر الأسطوري.

كل التحية لشعبنا العظيم، نموذج الفداء والتضحية، ولكل أيقونة، ولكل صاحب مبادرة وصاحب عطاء يقدم علمه وجهده ووقته وحياته فداء لوطنه الأرض المقدسة، واستجابة لأمر الله تعالى بالدفاع عنها في مواجهة الظلمة المحتلين الذين أخرجونا منها { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } (الحج 39) {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (الحج 40).

المصدر / فلسطين أون لاين