في ظل الحصار الخانق وغياب الوقود والغاز، عاد "الجفت" — بقايا عصر الزيتون — ليبرز من جديد كمصدر بديل للطاقة في قطاع غزة، في مشهد يعكس قسوة الواقع وعودة قسرية إلى الوسائل البدائية التي طواها الزمن.
ومع منع الاحتلال إدخال الغاز والوقود إلى القطاع، لجأت معاصر الزيتون إلى نشر كميات كبيرة من الجفت على الطرقات وتحت أشعة الشمس لتجفيفه، تمهيدًا لتعبئته وطرحه في الأسواق، في وقت بات فيه المواطن عاجزًا عن تأمين حاجته من الغاز، أو حتى الحطب الذي ارتفع سعره.
يقول أبو لؤي عوض، العامل في معصرة زيتون في المحافظة الوسطى: "في المواسم السابقة، كان الجفت يُعتبر من النفايات غير المرغوبة، لكن بعد شح الوقود وتوقّف الحياة تقريبًا، أصبح مطلوبًا بشدة".
يضيف عوض لـ "فلسطين أون لاين": "قررنا جمع ما تبقّى من المخزون وتجهيزه وبيعه بأسعار رمزية، لنساعد الناس ونوفّر لأنفسنا مصدر دخل بسيط وسط هذا الخراب، حيث يُباع الكيلوغرام الواحد بشيكل واحد".
الجفت، وهو بقايا لبّ الزيتون وقشرته بعد العصر، يتميز بقدرته المتوسطة على الاشتعال، ويُستخدم كوقود في المواقد والأفران التقليدية. ورغم أنه ليس مثاليًا، إلا أنه بات خيارًا وحيدًا أمام آلاف الأسر الغزّية.
تقول ربة المنزل أم وليد الدشت: "لم أتخيّل يومًا أن أعود لاستخدام الجفت في طهي الطعام، لكنه صار ضرورة منذ انقطاع الغاز. لم يعد أمامنا سوى هذا الخيار. نعم، رائحته مزعجة والدخان خانق، لكننا مُجبرون، في حين أن إخواننا العرب يعيشون الترف".
وتضيف الدشت لـ"فلسطين أون لاين": "أعدّ لأطفالي الخبز والطعام على نار الجفت، ومع كل لهب يرتفع، نُشعل أملًا بأن هذه الأزمة ستمر. نعيش أيامًا ثقيلة، وكل ما نريده هو أبسط حقوقنا – أن نعيش بكرامة".
أما المواطن صائب أبو لبدة، فيضيف: "نستخدم الجفت لطهي الطعام وخَبز الخبز. سعره مقبول، وهو أرحم من العدم. في هذا الوضع، لا نملك رفاهية الاختيار. حتى الحطب أصبح غاليًا ولا يتوفر إلا بصعوبة".
ووجد المواطن أبو شحادة مطر في "الجفت" طوق نجاة أعاد إليه القدرة على الاستمرار في كسب لقمة العيش. يقول لـ"فلسطين أون لاين": "كان لديّ فرن صغير أستخدمه سابقًا لإعداد الخبز والمعجنات لجيراني مقابل مبلغ بسيط، لكنه توقّف عن العمل بعد نفاد الغاز".
ويضيف: "قررت تجربة إشعال الفرن بالجفت مع قليل من الحطب، وبعد محاولات، نجحت. عدت للعمل من جديد، أُعدّ الخبز لأهل الحي، لا طمعًا في الربح، بل رغبة في خدمة الناس والاستمرار في الحياة رغم الصعاب".
ويؤكد مطر أن الجفت ليس مثاليًا، لكنه أصبح البديل الوحيد، قائلًا: "قد تكون الحرارة غير منتظمة والدخان خانق، لكننا في غزة تعلمنا أن نصنع من المستحيل واقعًا، ومن الرماد حياة".