اختار الاحتلال توقيت استهداف نفق للمقاومة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة أمس، قبل يومين من عملية استلام الحكومة لمعابر القطاع الذي من المفترض أن ينعش الوضع في القطاع، والهدف من ذلك بحسب لواء عسكري متقاعد وخبير أمني، تثبيت قواعد ولعبة أمنية جديدة لصالح الاحتلال، ووضع سلاح المقاومة على طاولة المباحثات للتعرف على وجهة نظر السلطة، واختبار المصالحة الفلسطينية.
التوقيت الحرج الذي اختاره جيش الاحتلال أراد من خلاله، وفقًا لحديث الخبراء لصحيفة "فلسطين"، اكتشاف مدى أثر المصالحة على عملية رد فعل المقاومة، في ظل وجود اتفاق مصالحة مع السلطة لتخريب المصالحة، محاولاً استدراجها لتصعيد مضمون بالنسبة له لا يقود لحرب من خلال تدخل الوسيط المصري لتهدئة الأوضاع، مؤكدين أن الرد الأمثل الاستمرار في الوحدة والاتفاق على رؤية موحدة تجاه شكل الرد.
أبعاد سياسية وعسكرية
وثمة هناك أبعاد سياسية وعسكرية من وراء الاستهداف، فيرى الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات، أن أبعاد الاستهداف الإسرائيلي لنفق المقاومة شرق خان يونس كبيرة، أولها البعد العسكري الذي يأتي ضمن سياسة الاحتلال باستهداف أي تطور يحدث في الجانب الفلسطيني، والبعد السياسي بأن الاحتلال معني بخلط الأوراق وقلب الموازين.
وقال عريقات لصحيفة "فلسطين": "إن ما يجري بغزة من تطورات المصالحة ليس في صالح الاحتلال، الذي لا يريد تخفيف الضغط عن القطاع، ولا يريد أن يكون هناك علاقة جيدة بين مصر وحماس، وكذلك حماس وإيران، ولا أن يكون الفلسطينيون موحدين".
كذلك أن الوضع الداخلي الإسرائيلي من وجهة نظر الاحتلال، كما تابع اللواء المتقاعد، بحاجة لرفع المعنويات المنهارة خاصة في المستوطنات المحاذية للقطاع، في ظل وجود معطيات إسرائيلية تفيد بتطور أداء المقاومة في انفاقها الهجومية.
واختار الاحتلال توقيت الاستهداف قبل يومين من عملية استلام الحكومة لمعابر القطاع الذي من المفترض أن ينعش الوضع في القطاع، وعن ذلك يقول عريقات: "إن الاحتلال رصد الهدف بدقة ليوقع أكبر عدد من الخسائر، لاستدراج المقاومة لتصعيد، خاصة بعد حديث وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان، عن استعداد جيشه لكافة السيناريوهات الميدانية المتوقعة".
وأكد الخبير العسكري أنه من حق الفلسطينيين إعلان النفير العام وأن تكون خيارات الرد مفتوحة أمامهم، كما اختار الاحتلال الهدف بدقة، ومن حق الفصائل الفلسطينية كذلك اختيار زمان وماكن الرد، إذ لم يتعود الشعب الفلسطيني التنازل عن دماء شهدائه، لكن الأفضل أن يتم تدارس الأمور، ويكون الرد الأولي المزيد من الوحدة وتشكيل غرفة عمليات موحدة لدراسة شكل الرد.
وليس بالضرورة من وجهة نظر الخبير العسكري أن يكون رد المقاومة الآن، والمهم أن يكون الرد موجعا واتخاذ القرار الصائب والحكيم من قبل الفصائل الذي سيكون صادمًا للإسرائيليين، خاصة أن الشعب تواق للمصالحة، لتخفيف الضغط عن غزة.
إذ أن الاحتلال – والكلام لعريقات – يريد استمرار الانقسام وأن يعمل كل فصيل على حذا، مشيرًا إلى أن الاحتلال قرأ المشهد في غزة والساحة العربية والدولية بطريقة خاطئة، أمام نجاحات من الفلسطينيين في قراءة المشهد.
لعبة أمنية جديدة
الخبير الأمني محمد أبو هربيد يرى أن الاستهداف لم يكن مصادفة، خاصة أنه جاء في توقيت أجواء المصالحة، وبعد محاولة اغتيال قائد قوات الأمن في غزة اللواء توفيق أبو نعيم الجمعة الماضية، واستهداف نفق بداخله مجموعة من أبناء المقاومة، في وقت ازداد حديث الاحتلال فيه عن الانفاق، باعتبار أن كل هذه القضايا لم تكن منفصلة عن بعضها البعض.
وقال أبو هربيد لصحيفة "فلسطين": "إن الاستهداف دليل على مساعي الاحتلال لتخريب المصالحة، سيما أن المقاومة ستستفيد بشكل كبير من تحقيق المصالحة، ومن ناحية أخرى يريد وضع سلاح المقاومة على طاولة المباحثات للتعرف على وجهة نظر السلطة، ويريد إرسال رسائل أن الانفاق تشكل خطرًا عليها من خلال قصف نفق قريب من الحدود".
ويريد الاحتلال تبعًا لكلام الخبير الأمني، تثبيت قواعد ولعبة أمنية جديدة لصالحه، باعتبار أن حماس سلمت الحكومة، واستهداف المقاومة بأكثر من اتجاه، خاصة أنه يعلم بوجود مقاومين داخل النفق، إذ تهدف هذه القاعدة بأن يقوم بضرب المقاومة متى يشاء دون أن يكون هناك رد، وتخريب المصالحة في حالة رد المقاومة باعتبار أن ذلك "قد يزعج السلطة".
وبطبيعة الحال هناك ثلاثة أشكال للرد الفلسطيني، والكلام لأبو هربيد، الأول التمسك باتفاق المصالحة، والاتفاق على شكل وتوقيت الرد بإجماع وطني لردع الاحتلال حتى لا تتكرر المسألة، لافتًا إلى أن الوسيط المصري يجب أن يكون له دور بالعمل على لجم الاحتلال خاصة في ظل وجود اتفاق تهدئة منذ انتهاء حرب 2014.
ورأى الخبير الأمني كذلك أن الاحتلال يريد تصعيدًا مضمونًا، بمعنى أن يتدخل المصريون لتهدئة الأوضاع وضمان عدم رد المقاومة، لافتًا أن الاحتلال أراد من خلال الاستهداف اختبار المصالحة الفلسطينية.
والسيناريوهات التي يتوقعها أبو هربيد أن يكون هناك رد سريع من قبل المقاومة، أو أن لا يكون هناك رد مباشر، أو تفويت الفرصة على الاحتلال ضمن الرؤية الفلسطينية نحو المصالحة، بمعنى أن المصالح الفلسطينية العليا هي التي ستحدد طبيعة وشكل وتوقيت الرد.
وبين أن الاحتلال اختار توقيتًا حرجًا يريد من خلاله اكتشاف، مدى أثر المصالحة على عملية رد فعل المقاومة، أو أنها سترد وتتجاهل السلطة، أو أن غزة تخضع للحكومة من عدمه، مؤكدًا أن الرد الأمثل الاستمرار في الوحدة والاتفاق على رؤية موحدة تجاه شكل الرد.