لم تأبه تيريزا ماي رئيس وزراء بريطانيا بزعل السلطة الفلسطينية، ولم تستجب لطلبها بالاعتذار عن وعد بلفور، بل تعمدت الاحتفال بمئوية وعد بلفور بكل فخر، وبحضور اليهودي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، في رسالة بريطانية إلى كل العالم، وبالتحديد إلى العالم العربي، مفادها احترام بريطانيا لوعدها، والتزامها بنتائج هذا الوعد، بل وافتخار بريطانيا بسياستها التي أثمرت دولة (إسرائيل) التي فرضت نفسها على المنطقة بمنطق القوة، وزمجرة السلاح.
عدم اعتذار بريطانيا للسلطة الفلسطينية عن وعد بلفور يوكد على الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: أن السلطة الفلسطينية نفسها موجودة على قيد الحياة بفعل اتفاقية أوسلو التي تعترف بدولة (إسرائيل)! فبأي منطق تعتذر بريطانيا عن وعد تعترف بنتائجه السلطة الفلسطينية؟
الحقيقة الثانية: إن بريطانيا ترى بوعد بلفور عنواناً للسياسة البريطانية، وأي اعتذار سياسي سيؤدي إلى سحب الاعتراف بدولة (إسرائيل)، وهذا مستحيل من وجهة نظر سياسة المحافظين.
الحقيقة الثالثة: لا ترى بريطانيا بوعد بلفور وعداً شخصياً من وزير الخارجية، وإنما هو قرار الحكومة البريطانية كلها، وهو القرار الذي تضمنه صك عصبة الأمم للانتداب البريطاني.
الحقيقة الرابعة: تعرف بريطانيا أن السلطة الفلسطينية قد نسيت وعد بلفور، وتجاهلته كل السنوات السابقة، ولم تحرك الشارع في ذكراه؛ مذ تسلمها صلاحياتها، فما هذه الصحوة الفجائية؟
الحقيقة الخامسة: اعتذار بريطانيا عن وعد بلفور يعني اعتذارا بريطانيا عن سياسة رئيس الوزراء البريطاني عن حزب المحافظين؛ اليهودي بنيامين دزرائيلي، الذي زار فلسطين قبل 150 سنة تقريباً، وكان مقتنعاً بالتكامل بين اليهودية والمسيحية، وهو الذي اشترى بأموال اليهود أسهم الخديوي إسماعيل في شركة قناة السويس، تمهيداً للسيطرة على مصر، كمقدمة لسيطرة اليهود على فلسطين، وهو الذي قال قبل 150 عاماً جملته الشهيرة، التي نقلها عنه الكاتب اليهودي، "إسرائيل زنجويل"، وتقول: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهو الذي توجه إلى السلطان العثماني، عارضاً عليه الأموال مقابل وطني قوي لليهود في فلسطين؟
الحقيقة السادسة: الاعتذار البريطاني عن وعد بلفور يعني الطعن والتشكيك بالكتاب المقدس، الذي خاطب فيه الرب إبراهيم كما يزعمون، قائلاً: "لنسلك أعطيت هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير" ، فكيف تعتذر بريطانيا عن وعد بلفور الذي ينسجم مع وعد الرب؟.
السياسة الدولية لا تحترم الضعفاء، ولا يؤثر فيها التوسل والرجاء، السياسة الدولية ينظم مسارها الأقوياء، وقوة فلسطين تتمثل في إحياء ذكرى وعد بلفور بالمظاهرات، والمسيرات، والمواجهات على الحواجز الإسرائيلية، وإغلاق طرق المستوطنين، هذا هو الفعل الذي سيرفع صوت فلسطين عالياً، ويقتحم خدر تيريزا ماي، ليقوم اعوجاج السياسة البريطانية والأمريكية والفرنسية والرباعية الدولية.
فهل لدى السلطة الفلسطينية النية في دق أبواب السياسة البريطانية بقوة الحق وقدرات الشعب؟