يوافق الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام الذكرى السنوية لصدور وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم بفلسطين، بناء على المقولة المزيفة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
تصريح بلفور أعطى وطنًا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين (وعد من لا يملك لمن لا يستحق)، فلم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفًا (أقل من 8% من أصل سكان فلسطين) من بين 12 مليون يهودي ينتشرون في العالم، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفًا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلًا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية، واليوم بدلًا من أن تعطي الحكومة البريطانية الفلسطينيين حقوقهم ترفض تحملها مسؤولية هذا الوعد الظالم، وترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وتأتي صيغة وعد بلفور واضحة إذ تؤكد "الحكومة البريطانية" أنها تنظر بـ"عين العطف" إلى إنشـاء وطن قومي سيضم "الشعب اليهودي"، وستبذل لتحقيق ذلك "ما في وسعها"، إضافة إلى أنه يدعي أن الوعد لن يضر بمصالح الجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين.
وساهم وعد بلفور في خلق فكرة تقسيم فلسطين، وقاد إلى قرار التقسيم رقم (181) في عام 1947م، وبذلك حرمان الفلسطينيين كيانًا وسيادة وطنيين، وقد استغلت الحركة الصهيونية هذا الوعد في تحقيق حلم اليهود بإنشاء وطن لهم في فلسطين، وتهجير شعبها قسرًا بشتى الوسائل بدعم وغطاء من الانتداب البريطاني.
ويطلق الفلسطينيون والمناصرون للقضية الفلسطينية عبارة: "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، إضافة إلى التساؤل: "ما الحق الذي تملكه بريطانيا لتمنح فلسطين لليهود؟!"، أدى هذ الوعد إلى تأسيس بداية للاحتلال الإسرائيلي الذي خلف الانتداب البريطاني عقب سقوط الدولة العثمانية.
وتمكن اليهود والحركة الصهيونية من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947م، لتصبح ما يسمى (إسرائيل) أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض شعب آخر، وتلقى مساندة دولية جعلتها تتغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.
الشعب الفلسطيني لم يستسلم للوعد والقرارات البريطانيةـ والوقائع العملية التي بدأت تفرضها على الأرض الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، ضد الانتداب والاستيطان.
واليوم بعد مرور 100 عام لا تزال الحكومة البريطانية تفتخر بإصدار وعد بلفور المشؤوم دون وجه حق، وكلٌّ يعرف أنها أعطت هذا الوعد ظلمًا وزورًا على حساب الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يتألم منه؛ فهذا زعيم حزب العمال المعارض في بريطانيا جيرمي كوربن رفض المشاركة في حفل مئوية "وعد بلفور"، المقرر في لندن الخميس المقبل المقام على شرف رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي دعت بنيامين نتنياهو لحضور حفل العشاء والاحتفال بـ"فخر" بالوعد البريطاني، بدلًا من الاعتذار والتأسف، والعمل على إحقاق الحقوق الفلسطينية، وإجبار الكيان على الاعتراف بها، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وإنهاء الاحتلال، وإرجاع اللاجئين، وتدفع لهم التعويضات، حقًّا إن لم تستحيِ فاصنع ما شئت.