مجددا، عادت أزمة الدقيق والحصول على الخبز لحياة المحاصرين في غزة نتيجة إغلاق الاحتلال الإسرائيلي جميع معابر ومنافذ القطاع منذ 20 يوما، واستئنافه "حرب الإبادة الجماعية" بهجمات دموية على المدنيين في المنازل والخيام.
وتشكل أزمة الدقيق أو البحث عن الطعام والخضروات والمواد التموينية في أسواق غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا، "هاجسا كبيرا" لحياة أكثر من 2.3 مليون إنسان يعيشون سلسلة أزمات معيشية وإنسانية وصحية وتعليمية منذ الحرب الإسرائيلية المدعومة أمريكيا في أكتوبر 2023م وحتى اللحظة.
ولا يختلف غزيان بأن هذه الأزمة الأكثر صعوبة أمام سلسلة أزمات تواجه الأسرة وأفرادها في غزة بعدما أوجدتها حرب الإبادة، كما تقول الأرملة نجاح حميدة (33 عاما).
تعترف أرملة زوج توفي قبل الحرب إثر عارض صحي، بعدم قدرتها على مواكبة الأزمات التي أوجدتها "الحرب الشرسة" والبحث يوميا عن تأمين الطعام ومياه الشرب أو البحث عن الأمان لطفلتيها (7 أعوام) والثانية (5 أعوام) وسط الهجمات الدامية والعمليات البرية المتواصلة.
شكلت المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار فترة استراحة واطمئنان لحياة المدنيين في غزة، بحسب وصف السيدة التي خرجت للسوق العام للبحث عن شراء كيس دقيق بعد استئناف جيش الاحتلال لحرب الإبادة هذا الأسبوع.
وأثناء المرحلة الأولى للاتفاق الذي بدأ في 19 يناير/ كانون ثاني الماضي وامتد حتى 18 مارس/ آذار الجاري، بدأت وكالة "أونروا" بالدورة الرابعة لتوزيع الدقيق على السكان.
وبحسب بيانات "أونروا" وصلت الدورة حتى العائلات المكونة من 7 أفراد، لكن عاملون في الوكالة أبلغوا مراسل "فلسطين" بتوقفهم عن العمل، أمس، بعد نفاذ الدقيق من المخازن التي امتلأت أثناء المرحلة الأولى والتي قضت بسماح الاحتلال بإدخال 600 شاحنة مساعدات يوميا لغزة.
ويفيد سائقو شاحنات يعملون مع برنامج الغذاء العالمي لمراسل "فلسطين أون لاين" بتوقفهم عن العمل بين محافظات القطاع، منذ يومين، وذلك بعد نفاذ المخازن من كميات الدقيق اللازمة للمخابز.
وتقول نجاح: "لقد كانت تلك الأيام استراحة وهدوء بعد 471 يوما من الحرب، المعابر مفتوحة والمساعدات تصل لجميع الفئات، أما الآن نحن أمام كابوس جديد من هذه الحرب اللعينة".
ووصل سعر الكيس الواحد من الدقيق – في حال توفره - خلال اليومين الماضيين لـ100 شيقل (30 دولار) بعدما كان 40 شيقل (10 دولار)، وفي مرات سابقة وصل سعره أثناء ذروة المجاعة في شمال القطاع بنحو (300 دولار – 700 دولار).
"خيار شاق"
ولا يبدو سوى خيار واحد أمام الأرملة التي رجعت لطفلتيها بـ"خفي حنين"، سوى التوجه يوميا للاصطفاف في طابور طويل أمام أحد المخابز التي أوشكت كمية الدقيق والسولار على النفاذ من مخزونها.
هو ذاك الطابور الذي انتظم فيه الأب فارس عياد (45 عاما) ونجح بالحصول على ربطة خبز بعد ساعتين من الانتظار والعراك في نهار رمضان أمام أحد المخابز العاملة في مخيمات وسط القطاع.
يقول عياد الذي فقد ابنه البكر شهيدا في هذا الحرب: "منذ عام ونصف غزة تحت القصف والدمار والجوع .. الناس هنا فقدوا منازلهم وأبناءهم وطعامهم".
لم يفقد الأب نجله البكر فقط، بل فقد عمله في إحدى المصانع المحلية التي توقف عن العمل ودمرها جيش الاحتلال لاحقا خلال عملية عسكرية للأحياء الشرقية لمدينة دير البلح، منوها إلى عدم قدرته على شراء الدقيق بأسعار باهظة.
تساءل بحرقة: "إذا توقف هذا المخبز أو غيره.. من أين سنحصل على الخبز؟" ليقاطعه الستيني حسين الغريز مشتكيا من حال الأسواق الفارغة من الخضروات والفواكه والمواد التموينية عدا عن ارتفاع أسعار بعض السلع التموينية الأخرى.
ورغم حصول الغريز على راتب شهري من وظيفته الحكومية، لكنه غير قادر على مواكبة الأزمات المعيشية التي تسببت بها "حرب الإبادة الجماعية".
وعدد هذه الأزمات: الدقيق، الماء الصالح للشرب، الدواء والرعاية الصحية، غياب التعليم للعام الثاني على التوالي، إغلاق البنوك المحلية أبوابها وتفاقم أزمة السيولة المالية وغيرهما.
وتتفق الأرملة حميدة مع عياد والغريز بأن الحل يكمن في دور رعاة اتفاق وقف إطلاق النار (مصر، قطر، أمريكا) بإلزام الاحتلال ببنود الاتفاق ومراحله واستحقاقاته وصولا لإنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلي من غزة وفتح جميع المعابر والمنافذ الحدودية لإنقاذ أكثر من 2 مليون إنسان في غزة.
ودفع الواقع المعيشي المتأزم في غزة، بدعوة حركة حماس لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لإنقاذ شعبنا من الإبادة ومنع تجويعه ورفع الحصار عنه.
"أيام قليلة"
وبحسب رئيس جمعية أصحاب المخابز عبد الناصر العجرمي فإن المخزون المتبقي من الدقيق والسولار سينفذ خلال أيام قليلة من مخازن المخابز الآلية العاملة حاليا.
وذكر العجرمي لـ "فلسطين أون لاين" أن 17 مخبزا آليا تعمل بطاقتها الأخيرة بعد توقف جميع المخابز الناجية من حرب الإبادة سواء (الآلي/ النصف آلي/ اليدوي) وجميعها تعتمد على السولار أو الغاز في العمل.
وأكد العجرمي أنه في حال استمرار الاحتلال إغلاق معابر غزة لأيام قادمة سيدخل "الناس في مجاعة" حقيقة، داعيا المجتمع الدولي والوسطاء بالضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال جميع المستلزمات المعيشية لغزة.
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أول من أمس، دخول القطاع "في أولى مراحل المجاعة" جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل وإغلاق المعابر أمام دخول المساعدات والبضائع منذ 2 مارس/ آذار الجاري.
وبأوامر من رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أغلق جيش الاحتلال جميع المعابر والمنافذ الحدودية مع غزة، وذلك في خطوة تشكل انقلابا على اتفاق إطلاق النار الذي جاء بعد 15 شهرا من حرب إبادة جماعية على غزة.