"كان عاشقًا للبحر، محبًا للصيد. لم أتوقع أنني سأخسره بهذه السرعة." بهذه الكلمات المليئة بالحزن، خاطب رياض صيام الوافدين إلى منزله في مخيم الشاطئ الشمالي غربي مدينة غزة، لمواساته بعد فقدان ابنه الشاب محمد، الذي استشهد بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يحيط الأسى بوالد الشهيد، وتهيمن نظرات الحزن على عينيه وهو يتفقد من حوله، وكأنه يرى في وجوه الحاضرين ذكريات ابنه محمد؛ الطالب الجامعي الذي كان البحر ملاذه لإطعام أسرته.
مساء الجمعة الماضية، كان محمد (22 عامًا) على موعد مع البحر لممارسة الصيد في مناطق قريبة من الشاطئ، أملاً في صيد بعض الأسماك لإعالة أسرته. لكنه لم يعلم أنها ستكون رحلته الأخيرة.
في ذلك اليوم، كانت زوارق جيش الاحتلال تجوب بحر غزة، وتنفذ عمليات تمشيط تتخللها إطلاق الرصاص والقذائف بكثافة، بالإضافة إلى تحليق الطائرات المسيرة "كوادكابتر".
ولأن محمد كان منهمكًا في الصيد رغم تحذيرات والده، لم يلحظ أن المسيرات الإسرائيلية كانت تتمركز فوق المنطقة التي أراد الصيد فيها قرب شاطئ بحر السودانية شمالي قطاع غزة.
"بمجرد وصوله الشاطئ، ركب قاربه الصغير وحمل شباكه، وبدأ يجدف." قال رياض صيام (53 عامًا) لـ"فلسطين" عن حكاية فقدان نجله: "لم يبعد عن الشاطئ سوى عشرة أمتار فقط حتى ألقت المسيرة قنبلة صغيرة أصابت ظهره مباشرة."
وأضاف: "حاول النجاة بنفسه، فركض بضعة أمتار قبل أن تطلق المسيرة عدة رصاصات أصابت ثلاث منها جسده، واستقرت اثنتان في صدره."
يتهم صيام جيش الاحتلال باستهداف الصيادين، خاصة الشباب، بشكل متعمد. "لم يكن صيادًا عاديًا، بل كان ماهرًا، ويمارس الصيد بعدة طرق، منها استخدام الشباك والقوارب الصغيرة، أو الغوص باستخدام مسدس الصيد."
تحولت شوارع مخيم الشاطئ الشمالي، حيث ولد محمد وترعرع، إلى ممرات للحزن بعد استشهاده. روى عمه رائد صيام لـ"فلسطين" قصص شجاعته في مواجهة الأمواج، وكيف نجا عدة مرات من استهداف الاحتلال.
محمد، الذي نزح مع عائلته إلى جنوب قطاع غزة خلال حرب الإبادة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 واستمرت 471 يومًا، أجبر على الصيد بمعدات بدائية لإعالة أسرته. ورغم نجاته من نيران الاحتلال في السابق، لم تكن هذه المرة محظوظة.
يمنع جيش الاحتلال منذ بداية الحرب ممارسة الصيد في بحر غزة، ويستهدف الصيادين بإطلاق النيران من الزوارق الحربية والمسيرات، وإسقاط القنابل عليهم.
وحسب المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد أبو عودة، فإن أكثر من 200 صياد استشهدوا منذ 7 أكتوبر، بينهم عشرات أثناء محاولتهم جلب قوت أبنائهم.
وأضاف أبو عودة لـ"فلسطين" أن الاحتلال لم يتوقف عن استهداف قطاع الصيد في غزة، حيث عانى العاملون فيه من انتهاكات متكررة، كالاعتقالات وتدمير القوارب، بالإضافة إلى التلاعب بالمساحات البحرية المسموح الصيد فيها أو منعها بالكامل.
وتابع: "تسببت الحرب الإسرائيلية بتدمير نحو 97% من قوارب وشباك الصيد، مما أدى إلى فقدان أكثر من 4 آلاف صياد لمصدر رزقهم الأساسي."