فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

الحاج أبو حاتم القن... اجتمع عليه الفقر والمرض وفقد العائلة والمنزل

...
الحاج أبو حاتم القن... اجتمع عليه الفقر والمرض وفقد العائلة والمنزل
غزة/ عبد الرحمن يونس

من شارع إلى شارع في مدينة غزة، يمضي الحاج أبو حاتم القن، رجلٌ تجاوز السبعين من عمره، باحثًا عن مأوى. لم يكن يدرك، حين شيّد بيته في حي الشاطئ شمال غرب غزة، أن العمر الذي أفناه في جمع الحجارة لبنائه، سينهار كأوراق الخريف تحت وطأة القنابل. كل ما بناه، وكل من أحب، رحلوا في لحظة، تاركينه وحيدًا يواجه مصيرًا قاسيًا.

يروي الحاج أبو حاتم قصته لـ "فلسطين أون لاين" بصوت متحشرج، تخونه الكلمات كلما حاول استعادة تفاصيل الوجع. يستعيد ذلك اليوم من شهر أكتوبر 2024، حين كان نازحًا مع عائلته إلى منطقة النصيرات، بعدما اجتاحت طائرات الاحتلال سماء غزة، وحوّلتها إلى جحيم من القذائف والنار. كان منزله في حي الشاطئ قد دُمّر في غارات سابقة، فلم يجد ملاذًا سوى بيت متواضع لجأ إليه مع زوجته وبناته الثلاث وولديه.

في صباح ذلك اليوم، استيقظ على دوي انفجار هائل. لم تمضِ سوى لحظات حتى أدرك أن صاروخًا إسرائيليًا قد سقط فوق البيت الذي احتموا به. كان كل شيء حوله ينهار... الجدران، الأثاث، وحتى الأرواح. يقول بصوت يغلبه البكاء: "شعرت وكأن قلبي انخلع من صدري وأنا أبحث عن صوت ينبض بالحياة بين الركام."

في ذلك القصف الوحشي، فقد الحاج أبو حاتم زوجته، رفيقة دربه الطويل، وبناته الثلاث اللواتي كنّ له السند والعون، وولديه اللذين لم يتركاه لحظة واحدة. لم يبقَ سوى هو، جريحًا ممددًا بين الأنقاض، يئن تحت وطأة الألم والخسارة. "كنت أظن أنني سأموت معهم، لكن الله كتب لي عمرًا جديدًا... لا أعلم هل هو رحمة أم ابتلاء"، يقولها وهو يحدق في الفراغ، كمن يراجع قدرًا لم يختره.

بعد شهور من النزوح والبحث عن مأوى، عاد الحاج أبو حاتم إلى بيته المدمر في الشاطئ. وقف أمام أطلاله، يضرب كفًا بكف، يتحسر على منزلٍ بناه طوبة طوبة، جمع ثمنه بعرق سنين الغربة والشقاء. لم يبقَ شيء... لا الأثاث، ولا الذكريات. يقول وهو ينظر إلى السماء التي بدت أكثر ضيقًا: "بيتي كان كل ما أملك... الآن لا أملك حتى ظل جدار أستظل به."

اليوم، يعيش الحاج حالة من التشرد المرير، متنقلًا بين بيت ابنه وابنته الوحيدين اللذين كُتب لهما النجاة، لكنهما، كما يصف، لا يملكان من الحياة سوى الفتات. الحصار على قطاع غزة جعل من الحياة شبه مستحيلة، فالغلاء ينهش قوت الناس، والمجاعة تدق الأبواب من جديد. يتساءل بحسرة واضحة: "أنا رجل مسن، لا أملك قوت يومي، فكيف إذا اشتدت المجاعة؟ من أين آتي بلقمة عيش؟"

يناشد الحاج أبو حاتم العالم أن يلتفت إلى معاناة غزة، وأن يُرفع الحصار الذي خنق الهواء والماء والطعام، وحوّلها إلى سجن كبير بلا أمل. يحلم بمن يعينه على البقاء، بمن يمد له يد العون ليسد رمقه، أو يجد له بيتًا يؤويه ويمنحه قليلًا من الأمان في ما تبقى له من عمر أثقلته المآسي.

"لم أعد أطلب الكثير... أريد فقط أن أعيش بقية أيامي بكرامة، أن يكون لي بيت صغير، وجدران تأويني، وقلب يسمعني حين أحكي وجعي"، يقولها بصوتٍ تخنقه العبرة، بينما تمتلئ عيناه بصور الماضي، حيث كان البيت عامرًا بالعائلة، قبل أن يتحول إلى أطلال.

ورغم حالته الصعبة، فإن الحاج أبو حاتم يملك من عزة النفس ما يمنعه من مدّ يده للناس أو اللجوء إلى الجمعيات، حتى إنه رفض أن نلتقط له صورة للقصة الصحفية، لكنه يأمل أن تصل هذه الكلمات لمن يحفظ له كرامته وعزته.

بينما يروي حكايته، يتردد صدى صوته في أزقة غزة المدمرة، كأنه صدى مدينة بأكملها تطلب الإنصاف... تطلب الحياة.

المصدر / فلسطين أون لاين