فلسطين أون لاين

شواكل رمضان في جيب "مصور فلسطين".. لم تعد تشتري الفرح لـ"زياد" و"غادة"

مصور صحيفة "فلسطين" محمود ابو حصيرة وأطفاله
مصور صحيفة "فلسطين" محمود ابو حصيرة وأطفاله

كلما وقعت عيناه على ما في محفظته من شواكل، يرى في انعكاسها وجهي طفليه: زياد وغادة (7 و4 سنوات). لو كانا معه اليوم، لطلبا منه مصروفهما الرمضاني، كما اعتادا أن يفعلا. "بابا، بدي شيكل، بدي أشتري حاجة"، هذه العبارة تتردد في أذني محمود أبو حصيرة كلما لامست أصابعه تلك القطع النقدية. لكنها اليوم ليست سوى ذكريات مؤلمة، تذكره بفلذتي كبده وزوجته، الذين دفنتهم غارة جوية إسرائيلية تحت أنقاض بناية سكنية في غزة.

كان محمود، مصور صحيفة "فلسطين" يعيش حياة دافئة مع أسرته في شقة مستأجرة قرب ميناء غزة. رمضان دائمًا موسم للفرح والطقوس العائلية. "اليوم، أفتقد لمة العائلة والأجواء الرمضانية، تلك التي تحف البيت قبيل موعد الإفطار"، يقول محمود بأسى. كان زياد يساعده في نقل العصير إلى المائدة، بينما تهرع إليه غادة عند عودته من العمل، تحتضنه ببراءتها: "بابا حبيبي".

لكن كل شيء تبدل في لحظة. مساء 4 نوفمبر 2023، استهدفت طائرات الاحتلال البناية التي يسكنها. "فقدت ثلاثة أركان من حياتي: زوجتي، أطفالي، ومسكني"، يقول محمود، البالغ 37 عامًا، بينما تتسلل دموعه إلى وجنتيه. يحاول عبثًا إخفاءها خلف نظارته، لكنها كانت أقوى منه. يمرر أصابعه على وجهه، كأنه يحاول مسح لحظة الفقد من ذاكرته. بعد نصف دقيقة من الصمت المرير، يضيف لصحيفة فلسطين: "للأسف.. الاحتلال حرمني من الأولاد".

مأساة غيرت كل شيء

في تلك الليلة المفجعة، كان محمود مع والديه في منزل على بعد 200 متر فقط من موقع القصف. عندما سمع الانفجار، هرع إلى هناك، لكنه لم يجد سوى ركام. "تحول البيت إلى مقبرة لأطفالي وزوجتي"، يقول بصوت باهت لم يتعافَ بعد من نوبة الدموع.

حتى اليوم، لا يعرف على وجه اليقين مكان جثثهم تحت الأنقاض. بعض الجيران أخبروه أن جثمان زياد ربما انتُشل بعد الضربة ودُفن في مقبرة جماعية، لكنه لا يزال يبحث عن يقين.

لم تكن المأساة شخصية فقط، بل طالت عائلته بأكملها. "33 فردًا من عائلتي وأنسبائي استشهدوا داخل البناية"، يضيف. كما استشهد ستة آخرون من عائلة الجوجو في الغارة ذاتها. الحرب التي كان محمود يوثقها بعدسته جاءت لتسلب منه كل شيء.

محاولة التعايش مع الفقد

اليوم، يعيش محمود مع والديه، يتناولون الإفطار في صمت ثقيل. "نفتقد صوت الأطفال في البيت، نفتقد طلباتهم: 'بابا بدي فانوس'"، يقول بحسرة. حتى عيد الفطر، الذي يعد مناسبة للفرح، صار مصدرًا للألم. "سيكون أصعب عيد في حياتي". كان زياد يحلم بأن يصبح مهندسًا معماريًا، بينما غادة ترى نفسها طبيبة أسنان. "كانت تقول لي: 'بدي أحوّل البيت إلى عيادة'"، يتذكر محمود بألم.

رغم الجراح، يحاول التعايش مع واقعه الجديد. "أجتهد لأتماسك، لكن بناء حياة جديدة يبدو صعبًا في ظل هذه الظروف". يحتاج إلى وقت لاستعادة توازنه النفسي، ويأمل أن يتمكن قريبًا من أداء العمرة، علّه يجد في رحاب الكعبة بعض السكينة.

محمود أبو حصيرة، الذي دفع ثمن فضح جرائم الإبادة الجماعية بعدسته، أصبح اليوم شاهدًا على مأساة لا تُحتمل. لكنه، رغم كل شيء، يرفض الاستسلام. "أن تفقد أعزّ أحبابك إلى الأبد، فهذا ألم لا يوصف"، يقول أبو زياد، ثم يضيف: "لكننا في غزة.. هذا قدرنا: أن نصمد".

اخبار ذات صلة