فلسطين أون لاين

"النُّطفة المهرَّبة" تجمُّع المحرِّر حسام العطَّار بطفلته جنَّات بعد 16 عامًا من الأسر

صورة من الأرشيف لطفلة الأسير العطار جنات
صورة من الأرشيف لطفلة الأسير العطار جنات

في أول إفطار رمضاني له بعد 16 عامًا من الأسر، حرص الأسير المحرر حسام العطار على أن يطعم طفلته جنات (9 سنوات) بيديه، يقربها منه محاولًا أن يذيب سنوات الشوق التي تراكمت في قلبه. كانت لحظة مليئة بالعاطفة وقت أذان المغرب، حيث بدا وكأنه يعوض كل لحظة فاتته معها، كل وجبة لم يشاركها، وكل ضحكة لم يسمعها. 

قبل أسابيع من هذا المشهد، خرج العطار (39 عامًا) من الأسر بعد 16 عامًا وشهرًا، ضمن صفقة "طوفان الأحرار" في 1 فبراير 2025. المشهد كان مؤثرًا عند بوابة مستشفى الأوروبي شرق خانيونس، حيث تقدمت الطفلة جنات، ابنته التي لم يرها من قبل، بخطوات متسارعة حتى ارتمت بين ذراعيه. جنات، التي جاءت إلى الدنيا عبر النطف المهربة من السجن، مثلت الأمل الذي تمسك به طوال سنوات الأسر القاسية. 

16 عامًا من العذاب

اعتقل العطار عام 2009 بتهمة الانتماء لحركة حماس وجناحها العسكري، وحُكم عليه بالسجن 18 عامًا. البداية كانت شديدة القسوة، إذ خضع للتحقيق في موقع "زيكيم" العسكري لمدة 15 يومًا، ثم في عسقلان تحت ظروف بالغة القسوة خلال شتاء قارس. بعد انتهاء التحقيق، بدأت رحلة معاناة جديدة داخل السجن، حيث عايش الاقتحامات المتكررة، وشُحّ الملابس، والحرمان من الزيارة بموجب "قانون شاليط"، إضافة إلى الإهمال الطبي والمعاملة القاسية أثناء النقل بين السجون. 

في عام 2012، خاض العطار مع رفاقه إضراب "الكرامة" المفتوح عن الطعام، محققًا مطلبين أساسيين: إنهاء العزل الانفرادي، وإعادة زيارات أهالي أسرى غزة. بعد ثلاث سنوات من الاعتقال، التقى والدته وزوجته داخل سجن "إيشل" في بئر السبع، لكن فرحته لم تدم طويلًا، إذ استؤنفت الإجراءات العقابية بعد ذلك بسنوات قليلة. 

حلم الأبوة خلف القضبان

تزوج العطار قبل اعتقاله بـ 100 يوم فقط، وخلال الأسر، بدأت فكرة الإنجاب عبر تهريب النطف تشق طريقها بين الأسرى. تواصل مع زوجته عبر هاتف مهرب، وناقش الفكرة معها ومع عائلتيهما، حتى لاقت قبولًا واسعًا. في إحدى الزيارات، تمكن من تهريب نطفته رغم الإجراءات المشددة. بعد تسعة أشهر، رُزق بطفلته جنات، التي حملت له الأمل في قلب الظلام.  

"جنات شالت عني نصف الحمل"، قال العطار لصحيفة "فلسطين"، مستعيدًا اللحظة التي علم فيها بولادتها. من وراء القضبان، تابع حمل زوجته خطوة بخطوة، من الزراعة إلى الولادة، وحلم باليوم الذي يحتضن فيه طفلته لأول مرة. 

الحرية ولقاء العمر

في يناير 2025، بلّغه السجان بإدراجه ضمن قائمة المفرج عنهم، لكن الرحلة نحو الحرية لم تكن سهلة. أُخرج الأسرى مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين، وتعرضوا للشتائم والضرب أثناء نقلهم. غير أن كل ذلك تلاشى لحظة وصوله غزة. كان يخشى أن يكون فقد عائلته خلال الحرب، لكن ما إن وصل بوابة مستشفى الأوروبي حتى لمح وجه والده بين الحشود. "حمدت الله وشكرته، ثم قابلت أمي وزوجتي وطفلتي جنات"، قال العطار واصفًا اللحظة التي طال انتظارها. 

عندما احتضن جنات لأول مرة، شعر أن الزمن عاد إلى الوراء، وأن 16 عامًا من الحرمان ذابت في تلك اللحظة. بعدها، اجتمع بأسرته لأول مرة على مائدة السحور، بعد أن كان رمضان في الأسر فرحة منقوصة. 

بعد عام ونصف من حرب الإبادة، عاد العطار إلى منطقة "العطاطرة" بشمال القطاع حيث يقطن، ليجد غزة مختلفة عما تخيلها. "أخذنا صورة عن غزة أثناء السجن أنها انتهت، لكن عندما وصلنا أرضها، صرنا نكبر لحد البكاء من الفرحة".

رغم سعادته بالحرية، لا تزال هناك غصة في قلبه، إذ يدرك أن خلف القضبان ما زال آلاف الأسرى يعانون ما عاناه. يحمل العطار رسالة إلى العالم: "انظروا إلى حال الشعب الفلسطيني بعد هذه الحرب، فالحياة هنا أصبحت لا تطاق، آن الأوان لإعمار غزة وإعادتها للحياة".

اخبار ذات صلة