عند اقتراب موعد الإفطار، يقف أبو محمد (45 عامًا) في طابور طويل أمام إحدى التكيات الخيرية في منطقة المواصي بخانيونس، يحمل بين يديه وعاءً فارغًا، متمنيًا أن يعود إلى أطفاله الخمسة بما يسد رمقهم. لكن هذه المرة، يدرك أن ما سيحصل عليه لن يكون كالمعتاد. فالوجبات التي كانت تضم الأرز وقطع الدجاج أو اللحم باتت مجرد أطباق بسيطة من المعكرونة أو الفاصوليا، بالكاد تكفي لإبعاد شبح الجوع عن عائلته.
يقول أبو محمد، الذي فقد منزله في حي الجنينة برفح خلال حرب الإبادة الإسرائيلية: "ننتظر هذه الوجبات كأنها طوق نجاة. لم يكن لدينا خيار آخر. الآن، حتى هذا الطوق بدأ يضعف. لا أعرف كيف سنواجه ما تبقى من رمضان، ونحن لا نملك حتى ما يكفي لإعداد وجبة واحدة".
تكيات الخير تصارع للبقاء
لم تعد التكيات الخيرية قادرة على تقديم المساعدات كما كانت خلال أيام اتفاق المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار. مع استمرار إغلاق المعابر لليوم العاشر، تراجع مخزون السلع الأساسية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، مما أجبرها على تقليص الوجبات التي تقدمها.
يقول علي القوقا، أحد المشرفين على تكية في مواصي خانيونس: "اعتدنا على تقديم وجبات متكاملة لنحو 200 أسرة يوميًا بمتوسط 5 أفراد. اليوم، بالكاد نتمكن من إعداد قدور بسيطة من المعكرونة أو الفاصوليا أو الأرز الجاف بسبب انعدام اللحوم". ويضيف لصحيفة "فلسطين": "النازحون يعتمدون على هذه الوجبات بشكل أساسي، والوضع الحالي يجعلهم محرومين حتى من هذا المصدر الغذائي البسيط".
في خيمة متواضعة بمواصي خانيونس، تواجه أم أحمد (35 عامًا) المأساة نفسها. تقول: "كنت أحصل على وجبة دجاج وأرز كل يوم من التكية القريبة، لكنهم أخبرونا أن الدجاج لم يعد متوفرًا. الآن، نعتمد على العدس والمجدرة والأرز، لكن حتى هذه الوجبات التي سئم أطفالي من تناولها طيلة 15 شهرًا قد تنقطع قريبًا".
ارتفاع الأسعار وشح السلع
إغلاق المعابر تسبب في ندرة السلع الأساسية، وارتفاع أسعارها بنسبة تصل إلى 300%. أسعار الخضراوات، الدجاج، واللحوم الحمراء تضاعفت مرات أو اختفت، مما جعلها حلمًا بعيد المنال لكثير من العائلات.
مع دمار البنية التحتية وتوقف دخول المساعدات، أصبحت الحياة في قطاع غزة المدمر معركة يومية من أجل البقاء. وفقًا لوزارة الاقتصاد الفلسطينية، بلغت معدلات الفقر في قطاع غزة 100% خلال الحرب، حيث واجه مئات الآلاف من السكان الجوع والحرمان من متطلبات الحياة الأساسية. وأوضحت الوزارة أن الأزمة أدت إلى ارتفاع حاد في الأسعار داخل قطاع غزة بأكثر من 227% خلال عام 2024، مما زاد من معاناة المواطنين في ظل انهيار اقتصادي شامل.
وزارة التنمية الاجتماعية في غزة تحذر من أن أكثر من 2.4 مليون فلسطيني يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة. استمرار الحصار قد يؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
يقول أحمد دحلان، المراقب لمشاريع تكيات خيرية ممولة من جمعية "أمة": "إغلاق المعابر ليس المشكلة الوحيدة. هناك صعوبات في تحويل الأموال إلى غزة، وارتفاع كبير في عمولات التحويل. كل هذا يعيق جهود الإغاثة".
ويضيف لـ"فلسطين": "نحن نحاول تقديم الدعم قدر المستطاع، لكن الوضع يتفاقم يومًا بعد يوم. نأمل في إعادة فتح المعابر لضمان استمرار جهود الإغاثة".