بعد إغلاق الاحتلال الإسرائيلي جميع منافذ ومعابر قطاع غزة لليوم الثامن على التوالي، بات الجوع هاجسًا يؤرق ضحايا حرب "الإبادة الإسرائيلية الجماعية" التي دامت 15 شهراً متواصلًا عاش خلالها الغزيون "درجات حادة من الجوع" التي فتكت بأرواحهم ونالت من أجسادهم.
وفي الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك، ألقت تداعيات الحصار بظلالها على خيارات الأب عارف العثماني الذي اضطر للاستيقاظ مبكرا للتجول في أحد الأسواق الشعبية بحثا عن وجبة إفطار من اللحم أو الدجاج المبرد لأسرته الصائمة.
وبعد وقت طويل من التجول في سوق النصيرات من بدايته حتى نهايته، لم يفلح بالعثور على تلك الوجبة؛ نظرا لإغلاق أصحاب محلات اللحوم أبوابها أمام المتسوقين بعد نفاد الكميات التي دخلت القطاع قبل إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، إغلاق جميع معابر غزة.
وبصوت عالي، ردد الصائم: "حسبنا الله ونعم الوكيل .. اللهم انتقم من (إسرائيل) .. اللهم انتقم من الذين حاصروا غزة".
وفي حديث العثماني لصحيفة "فلسطين" فإن أسرته استبشرت خيرا كحال أهل غزة مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/ كانون ثان الماضي، كما استبشرت خيرا بقدوم الشهر الفضيل دون مدافع أو قيود إسرائيلية مشددة.
لكن اليوم، يحاول الاحتلال التضيق على حياة أهل غزة والنيل منهم بعد صمودهم في "حرب الإبادة"، والقول للأب (50 عاما) لسبعة أفراد، الذي عبر عن تخوفه من طول مدة إغلاق المعابر وعودة "شبح المجاعة" مجددا.
وبرأيه تستطيع أسرته تسيير أيامها الحالية، لكن العودة لـ"الجوع ونقص الدقيق والطعام واللجوء للطعام المعلب .. أمر صعب للغاية".
وقال: "نعيش هذا الشهر الفضيل، دون صواريخ ولا مدافع إسرائيلية، لكن الاحتلال لا يريد ذلك"، آملا من الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار الضغط عليه لإلزامه ببنود الاتفاق ومراحله الثلاثة.
وليلة الأحد الماضي، اكتملت المرحلة الأولى من الاتفاق ومدتها 42 يوما، وسط تنصل إسرائيلي من الدخول في المرحلة الثانية للاتفاق الذي تم برعاية مصرية قطرية أمريكية.
وبدلا من الالتزام بالاتفاق، ينقلب نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار باعتماده مقترحا أمريكيا لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، وفق بيان صادر عن حركة حماس التي دعت الوسطاء إلى الضغط لبدء مفاوضات المرحلة الثانية.
"ملامح سريعة"
في السياق، يراود الخوف قلب الأم ميساء دراهم (55 عاما) من عودة الحرب أو "المجاعة" لحياة الغزيين الذين عانوا الويلات خلال 471 يوما من "حرب الإبادة".
ونظرا لارتفاع أسعار الخضروات وغياب بعضها من السوق نتيجة الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، اضطرت ميساء لشراء البقوليات لأجل إعدادها لوجبة الإفطار لأسرتها.
وكانت تأمل الجدة العودة بوجبة "دسمة" حسب وصفها لأبناءها وأحفادها الصائمين، لكن تشديد الاحتلال حصاره باتت ملامحه سريعة على حياة الغزيين في الشهر الفضيل.
وتقول لصحيفة "فلسطين": "عشنا رمضان الفائت بأجواء أصعب وطعام أقل .. وثقتنا بالله أن نعيش الأيام القادمة حياة أفضل".
تتخوف الجدة بشدة من اشتداد الجوع في قادم الأيام أو نفاد سلع تموينية أو ارتفاع أسعار بعضها، لكن دعواتها قبل الإفطار ألا تعود الحرب أو "المجاعة" وأن تنقضي هذه الأيام سريعة ليقضى الغزيين رمضانا هادئا.
ومن وجهة نظر التاجر عمر الراعي فإن تخوفات المواطنين مشروعة بعد تدمير الاحتلال لجميع مناحي الحياة الاقتصادية والزراعية والحيوانية في غزة.
وأوضح الراعي لصحيفة "فلسطين" أن الأسواق المحلية تعتمد حاليا على الواردات من خارج غزة إلى داخلها، وبالتالي فإن إغلاق جميع المعابر ينذر بظروف إنسانية مأساوية.
وقال: "شعبنا استراح من أصوات الصواريخ 42 يوما، لكنه لم يسترح ولو للحظة من تداعيات الحرب".
وقبل إعلان وقف إطلاق النار في غزة، قال مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في القطاع جورجيوس بيتروبولوس: إن سلطات الاحتلال تفرض الكثير من القيود على جهود الإغاثة وترفض الحلول العملية لتحسين الوضع وأن نظام المساعدات يتم استخدامه كسلاح على ما يبدو بما يؤدي إلى عدم كفاية الإمدادات للاحتياجات الهائلة.
وأوضح بيتروبولوس أن فعالية الاستجابة لا يجب أن تُقاس بعدد الشاحنات التي تصل إلى غزة، "بل بما إذا كان الناس بمأمن من الجوع والمطر والمرض وما إذا كانوا قادرين على الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية الملائمة والحماية وحتى مياه الشرب الآمنة".
وبحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف فإن 161.820 طنًا هو إجمالي ما دخل غزة منذ 19 يناير خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضح معروف، في بيان، أخيرا، أن هذا الرقم يشمل المساعدات والسلال التموينية والطرود الغذائية والسلع المختلفة من سكر وأرز وزيت وخضروات وبقوليات ومعلبات، ما يعني أن نصيب الفرد الواحد من هذه السلع الغذائية لا يزيد على 60 كجم.
كما حذرت وزارة التنمية الاجتماعية في غزة من أن استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات والسلع، ينذر بكارثة إنسانية خطيرة، حيث يعتمد أكثر من 2.3 مليون مواطن على المساعدات كمصدر وحيد للبقاء وسط انعدام المواد الغذائية وتدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية.