فلسطين أون لاين

المحرر سلامة يروي تفاصيل 15 شهرًا من العذاب خلف القضبان

فلسطين أون لاين

لم يكن محمد سلامة (35 عامًا) يعلم أن الليلة التي قضى فيها آخر لحظاته بين أسرته داخل مركز الإيواء شمال غرب غزة ستكون الأخيرة قبل أن يدخل في رحلة عذاب لا يعلم متى تنتهي.

اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر 2023، بعدما اجتاحت آلياتها العسكرية منطقة الشاطئ الشمالي، لتبدأ فصول معاناة لم يتوقعها حتى في أسوأ كوابيسه. 

يقول محمد، الذي تحرر في فبراير الماضي ضمن صفقة "طوفان الأحرار"، إن معاناة الأسرى من قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023 بلغت حدًّا غير مسبوق، فقد تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي داخل سجون الاحتلال.

"منذ لحظة اعتقالي، كنت أعلم أن القادم أصعب مما يمكن تخيله"، هكذا بدأ محمد حديثه لصحيفة "فلسطين"، مضيفًا: "نُقلنا إلى السجون ونحن معصوبو الأعين، مقيدو الأيدي، تعرضنا للضرب المبرح طوال الطريق، لم يكن الجنود بحاجة لأي مبرر ليكيلوا لنا اللكمات والركلات". 

وبمجرد وصوله إلى السجن، أدرك أن الأسوأ لم يأتِ بعد. وضعه المحققون في غرفة ضيقة، بالكاد تتسع لجسده، وأخضعوه لجولات تحقيق مطولة، بعضها استمر لساعات متواصلة دون ماء أو طعام أو حتى فرصة للراحة. "كانوا يطرحون أسئلة لا إجابة لديّ عنها، وعندما أعجز عن الرد، ينهالون عليّ بالضرب والإهانة"، يقول محمد، مستذكرًا أحد التحقيقات التي كانت تجرى في منتصف الليل ليحرموه من النوم عمدًا. 

لم يكن محمد وحده من عانى، فالأسرى جميعهم كانوا يواجهون ظروفًا كارثية. يتحدث محمد عن السياسة الممنهجة التي اتبعها السجانون في تعذيبهم: "حُرمنا من النوم لأيام متواصلة، كانوا يصرخون في وجوهنا على فترات متواصلة خلال التحقيق". 

أما الطعام، فكان يُستخدم كسلاح إضافي لتعذيب الأسرى. "كنا نحصل على طعام قليل وقد يكون متعفنا، لا يسد رمق الجوع، وكانوا يتعمدون تركنا دون طعام لساعات طويلة"، يوضح محمد، مضيفًا أن الاحتلال أدخل أمراضًا جلدية إلى أفرشة الأسرى لتزيد من معاناتهم. 

بالنسبة لمحمد، كان شهر رمضان في الأسر تجربة قاسية لا تُنسى. "لم يكن لرمضان أي نكهة، لا صوت أذان، لا مائدة تجمعنا، لا شعور بالأمان"، يقول بأسى. كان الاحتلال يتعمد اقتحام الغرف لحظة الإفطار، إن توفر الطعام أصلًا، وكان يمنع الأسرى من معرفة أوقات الصلاة أو حتى الصيام بشكل صحيح. 

يحاول محمد أن يصف كيف كان يقضي أيامه في السجن: "كنت أحاول التمسك بما تبقى لي من صبر، أقرأ القرآن، أصلي في زاوية ضيقة، أدعو الله أن يفرجها علينا جميعًا". 

لم يكن محمد يعلم شيئًا عن أسرته طوال فترة أسره، فالمعتقلون كانوا معزولين تمامًا عن العالم الخارجي. "لم يسمحوا لنا بسماع أي أخبار، لم نكن نعرف ماذا يجري في الخارج، هل عائلتنا بخير؟ هل منازلنا ما زالت قائمة؟ كنت أعيش في ظلام ليس بسبب السجن فحسب، ولكن بسبب أنني لا أعرف بما حل بأحبتي"، يقول محمد. 

يشير محمد إلى أن الاحتلال كان يتعامل مع الأسرى بحقد واضح، وكأنهم يريدون الانتقام مما فعلته المقاومة في السابع من أكتوبر. "المحققون كانوا يهددوننا دائمًا بقصف بيوتنا، بقتل أهالينا، باعتقال نسائنا وأطفالنا"، يضيف محمد، مؤكدًا أن الاحتلال حاول بشتى الطرق تحطيم معنويات الأسرى، لكنهم ظلوا صامدين رغم كل شيء.

بعد أشهر من العذاب، أفرج عن محمد ضمن صفقة "طوفان الأحرار"، لكنه خرج وهو يحمل في جسده آثار التعذيب، وفي ذاكرته جراح لا تندمل. "عندما خرجت، كنت أبحث عن أطفالي بنظري، أريد أن أراهم، أن أسمع أصواتهم"، يقول محمد، الذي احتضن أطفاله بحرارة وكأنه يعيدهم إلى الحياة بعد أن ظن أنه فقدهم للأبد. 

قبل أن يغادر، وجه محمد رسالة لكل الأسرى الذين ما زالوا خلف القضبان: "اصبروا، لا تيأسوا، الحرية قادمة، والاحتلال لن يدوم، نحن محكومون بالأمل رغم كل هذا الظلم". 

وختم حديثه قائلًا: "شكرًا لمن ساهم في تحريرنا، وشكرًا للمقاومة التي انتزعتنا من الموت البطيء، وأتمنى أن ينال كل أسير حريته قريبًا، لأن من يدخل سجون الاحتلال، يُحكم عليه بالموت وهو على قيد الحياة".

اخبار ذات صلة