فلسطين أون لاين

صحفي عائد من "جحيم سدي تيمان": أين حقوق الإنسان؟

صحفي عائد من "جحيم سدي تيمان": أين حقوق الإنسان؟
صحفي عائد من "جحيم سدي تيمان": أين حقوق الإنسان؟
فلسطين أون لاين

تعلو ابتسامة مريرة وجه الصحفي خضر عبدالعال وهو يتفحص بنظراتٍ مليئة باللهفة والاشتياق أفراد عائلته، وكأنه لم يصدق بعد أنه نجا من جحيم العذاب والقهر في معتقل "سدي تيمان" الإسرائيلي سيئ الصيت والسمعة.

"لقد وُلدتُ من جديد"، قال عبد العال لـ "فلسطين أون لاين" بصوتٍ يملؤه الألم والأسى، على الرغم من الإفراج عنه في الدفعة الأخيرة بموجب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل المبرمة بين فصائل المقاومة و(إسرائيل) بوساطة مصرية وقطرية.

الزميل الصحفي عبد العال، البالغ من العمر (31 عامًا)، تعرض للاعتقال إبَّان حرب الإبادة على غزة، التي بدأها جيش الاحتلال يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واستمرت 471 يومًا.

وعمل عبد العال صحفيًا حرًا لعدد من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية قبل اعتقاله، لكن طبيعة عمله لم تشفع له أمام ضباط وجنود الاحتلال، رغم ما يتمتع به الصحفيون من حماية بموجب القوانين الدولية.

تفاصيل الاعتقال

عندما اعتقل عبدالعال، كان متواجدًا في مجمع الشفاء الطبي، الذي تعرض لعدوان عسكري موسع، إذ كان على موعد لاستصدار شهادة ميلاد لمولودته الجديدة سلمى. لكن القدر شاء له أن يبيت تلك الليلة داخل المجمع، بناءً على طلب شقيقه الأكبر، الزميل الصحفي أحمد عبدالعال، الذي كان نازحًا آنذاك في المجمع بسبب الأضرار البالغة التي لحقت بمنزله في مدينة غزة.

وكان الشقيقان على موعد لتناول إفطار رمضان معًا، إلا أن جيش الاحتلال باغت مجمع الشفاء فجر 18 مارس/ آذار 2024، بعدوان عسكري استمر أسبوعين كاملين، وأسفر عن دمار هائل، واعتُقل على إثره الصحفيان معًا.

كان المجمع الطبي حينها، وهو أكبر مستشفيات قطاع غزة، يعجُّ بالنازحين الذين دُمرت منازلهم، وآخرين لم يتمكنوا من الاقتراب من مناطق سكنهم بفعل الحرب المدمرة وانتشار آليات وجنود الاحتلال.

يقول عبد العال مستذكرًا تلك اللحظات المريرة: "دخلوا إلى المستشفى في منتصف الليل، وأطلق الجنود النيران بكثافة. أخذوني دون أي تهمة واضحة، رغم أنني أخبرتهم أنني أعمل صحفيًا. ولم يكتفوا باعتقالي، بل اعتقلوا أيضًا كوادر صحفية وطبية وآخرين".

كانت تلك اللحظات بداية كابوس لا ينتهي في حياة عبدالعال، إذ نقل جيش الاحتلال جميع المعتقلين من داخل المجمع إلى معتقل "سدي تيمان"، الذي يصفه نشطاء وحقوقيون بأنه "غوانتانامو (إسرائيل)".

يكشف عبدالعال أنه خلال فترة اعتقاله في "جحيم سدي تيمان"، والتي استمرت 91 يومًا، تعرض لتعذيب قاسٍ على يد ضباط وجنود الاحتلال، تاركين جروحًا عميقة لا تزال آثارها بوضوح على جسده النحيل.

"تعرضت للإغماء مرات عديدة داخل المعتقل، ولم يقدموا لي أي نوع من الدواء أو العلاج. كان جميع المعتقلين مكبَّلي الأيدي ومعصوبي الأعين، جالسين على الأرض لساعات طويلة يوميًا. من يخالف تعليمات الجنود يتعرض لتعذيب شديد بالهراوات والركل".

"أيضًا، شاهدت أحد المعتقلين يستشهد أمامي من جراء التعذيب الوحشي في (سدي تيمان)"، وفق قوله.

جروح عميقة

بسبب الاعتداءات المتكررة والتعذيب الذي تعرض له عبد العال، أصيب بكسور حادة في عظام القفص الصدري، لا يزال يعاني من آثارها حتى اليوم.

"الألم الذي شعرت به لا يمكن وصفه بالكلمات"، قال عبد العال واصفًا التعذيب البشع الذي تعرض له على يد جنود الاحتلال. "كانوا يضربونني بشكل مستمر، ويمنعونني من النوم لأيام متواصلة".

ورغم الإفراج عنه مؤخرًا، لا تزال آثار التعذيب الشديد تلاحقه. يقول عبدالعال وعيناه تتلألآن بالحزن والأسى: "الألم ليس فقط في الجسد، بل في الروح أيضًا".

تركت تجربة الاعتقال في أبشع سجن إسرائيلي عرفه التاريخ ذكريات أليمة ووجعًا لا يُنسى لدى عبدالعال، إلا أنه لم يفقد الأمل في ملاحقة قادة وجنود الاحتلال على جرائمهم بحق المدنيين والصحفيين.

ويوجه عبد العال رسالة إلى العالم، متسائلًا: "أين مؤسسات حقوق الإنسان مما نتعرض له نحن الصحفيين من جرائم إبادة إسرائيلية؟ ألم يكتفِ الاحتلال بقتل أكثر من 200 صحفي خلال الحرب؟"

"الاحتلال يريد قتل الحقيقة، لكننا لن نخضع ولن نستسلم، وسنواصل عملنا في كشف جرائمه"، قال عبد العال بنبرة إصرار وتحدٍّ.

وأضاف: "يجب أن يعرف العالم ما يعانيه شعبنا من ظلم واضطهاد. يجب أن تتوقف الجرائم الإسرائيلية، وأن يُحاسب المسؤولون عنها".

وكان جيش الاحتلال قد نقل الصحفي عبدالعال من "سدي تيمان" بعد 3 أشهر من العذاب إلى سجن عوفر، حيث المعاملة غير الآدمية مع المعتقلين، ووجبات الطعام التي تفتقد إلى القيمة الغذائية، ليكمل فترة اعتقاله التي استمرت 346 يومًا بعيدًا عن بيته وأهله، إلى أن أُفرج عنه ضمن صفقة التبادل.

لكن شقيقه أحمد، الذي يعمل صحفيًا، لا يزال رهن الاعتقال في سجون الاحتلال، يعاني القهر والتعذيب.

اخبار ذات صلة