يواجه المواطنون في مدينة غزة كارثة بيئية وصحية غير مسبوقة، جراء تراكم آلاف الأطنان من النفايات في شوارع المدينة والمكبات المؤقتة، نتيجة منع جيش الاحتلال الإسرائيلي طواقم البلدية من الوصول إلى المكب الرئيسي في بلدة جحر الديك، شرقي غزة.
وتتكدس أكوام النفايات في العديد من الأحياء، مما يفاقم المعاناة اليومية للسكان الذين يعانون أصلاً من آثار الحرب والدمار، إذ تنبعث من هذه المكبات روائح كريهة، وتنتشر الحشرات والقوارض، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض والأوبئة.
معاناة لا تتوقف
في أحد مخيمات النازحين غربي مدينة غزة، تشتكي الستينية أم سلمان حتحت من تراكم النفايات حول خيمتها، التي تأويها هي وزوجها المريض، بعد أن دمر جيش الاحتلال منزلها في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة.
وتقول أم سلمان لصحيفة "فلسطين": "إن معاناتي لا تتوقف عند الرائحة الكريهة المنبعثة من أكوام القمامة، بل تمتد إلى انتشار البعوض والفئران والقوارض، التي تهاجم خيمتي وتعبث بمحتوياتها".
وتضيف بأسى: "الحياة في الخيمة باتت لا تُطاق مع الأوضاع المحيطة بها، فتراكم النفايات في محيطها يفاقم معاناتي"، مطالبةً بضرورة التحرك السريع لإزالة النفايات التي تفاقم معاناة النازحين.
ولا يختلف الحال بالنسبة للسيدة أم محمد الكحلوت، التي وقفت أمام خيمتها، تحاول أن تزيح عينيها عن منظر النفايات المتراكمة بالقرب من مكان سكنها.
وتقول لـ"فلسطين": "أطفالنا لا يستطيعون اللعب في المكان بسبب القمامة، ولا يمكننا التنفس من الروائح الكريهة التي تنتشر في الأرجاء".
"الكحلوت"، التي فقدت منزلها في مخيم جباليا، شمالي القطاع، تصف ما حل بعائلتها بـ"الكارثة"، مضيفةً: "كنا قبل الحرب نعيش في منزل صغير، أما الآن فكل ما نملكه هو خيمة، لا تحمينا من الحشرات والقوارض التي تأتي من النفايات، ولا مكان نذهب إليه".
وتشير إلى أن أفراد عائلتها يعانون من مشاكل تنفسية بسبب الروائح القوية، بينما تشكو إحدى بناتها من الحكة المستمرة بسبب تعرضها للبعوض والحشرات، إضافة إلى الدخان المتصاعد من حرق أكوام القمامة.
وفي شارع النفق وسط مدينة غزة، حيث تتكدس أكوام النفايات بشكل غير مسبوق، يعبر المواطن أحمد مقاط عن معاناته اليومية قائلاً: "النفايات أغلقت الطريق بالكامل، وأصبحنا لا نعرف كيف نسير في الشارع".
وبينما يشير إلى الدخان الأسود المتصاعد نتيجة حرق النفايات، يقول مقاط لـ فلسطين: "رائحة القمامة المنبعثة مع الدخان تجعل المكان لا يُطاق، مما يصيب الناس بصعوبة شديدة في التنفس".
أما وفاء عبد الرحمن، ربة منزل من حي الشيخ رضوان، فقد عبرت عن قلقها من تأثير تكدس القمامة على صحة أطفالها، قائلة: "أطفالي مضطرون للمشي على أكوام القمامة يومياً، بالإضافة إلى مياه الصرف الصحي التي تملأ الشوارع، وهذا يؤثر على صحتهم".
وتضيف عبد الرحمن لـ"فلسطين": "بعض أطفالي أصيبوا بأمراض جلدية ومعوية بسبب انتشار القمامة والقاذورات بالقرب من منزلنا".
وتشير إلى أن "الحرب الإسرائيلية انتهت، لكن تبعاتها لم تنتهِ، فحطام المنازل المدمرة ينتشر في كل مكان، وأكوام القمامة تملأ الطرقات. أصبحنا نخاف من المشي في الشوارع، ونخشى على أنفسنا وأطفالنا".
كارثة صحية
من جانبها، حذرت بلدية غزة من "كارثة صحية وبيئية كبيرة"، بسبب آلاف الأطنان من النفايات المتراكمة في الشوارع والمكبات المؤقتة، إثر منع (إسرائيل) طواقم البلدية من الوصول إلى المكب الرئيسي قرب الحدود الشرقية للمدينة، وتدمير معظم آلياتها خلال أكثر من 15 شهرًا من العدوان.
وقالت البلدية، في بيان لها: "تعيش مدينة غزة كارثة صحية وبيئية كبيرة، بسبب تراكم نحو 170 ألف طن من النفايات في الشوارع والمكبات المؤقتة، نتيجة منع الاحتلال لطواقم البلدية من الوصول إلى المكب شرق المدينة، وتدمير الاحتلال لنحو 80% من آليات البلدية".
وأوضح البيان أن "البلدية نفذت حملة لجمع وترحيل النفايات من شوارع وأحياء المدينة إلى مكبات مؤقتة".
وفي 16 فبراير/شباط الجاري، أطلقت البلدية خطة طوارئ لإزالة النفايات المتراكمة في شوارع وأحياء مدينة غزة ومراكز الإيواء، للتخفيف من الكارثة الصحية والبيئية التي تعيشها.
وقالت في بيان نشرته آنذاك، إن الخطة "تعتمد على استخدام مجموعة متنوعة من الآليات والمعدات لنقل النفايات، فضلًا عن مشاركة فرق عمل متخصصة، وذلك ضمن مشاريع دعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والقطاع الخاص".
وأشارت إلى أن مشروع إزالة النفايات ضمن تلك الخطة سيستغرق ما بين 3-4 أسابيع، إذا توفرت الإمكانيات اللازمة، خاصة الآليات الثقيلة.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمنع (إسرائيل) طواقم بلدية غزة من الوصول إلى المكب الرئيسي في منطقة جحر الديك قرب الحدود الشرقية، مما تسبب في تراكم النفايات داخل المدينة، وفق بيانات سابقة للبلدية. كما أدى تدمير آليات جمع النفايات، ونقص الوقود اللازم لتشغيل المتبقي منها، إلى تفاقم هذه الأزمة، حيث انتشرت المكبات العشوائية في أحياء وشوارع المدينة.