قائمة الموقع

المرزوقي:حصار غزة جريمة وندعم مصالحة حقيقية تحفظ وحدة الفلسطينيين وحقوقهم

2017-10-29T07:08:29+02:00
عبد المنصف المرزوقي (أرشيف)

أكد الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي دعم بلاده لتحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية تحفظ وحدة الفلسطينيين وحقوقهم وتفوت الفرصة على محاولات إثارة الخلاف بينهم، عادًّا استمرار حصار قطاع غزة جريمة ضد الإنسانية والأعراف والقوانين وحقوق الإنسان، وعزا في الوقت ذاته، تراجع أهمية القضية الفلسطينية عند الأمة العربية إلى ما أسماها "الثورات المضادة" من قبل بعض الأنظمة.

وقال المرزوقي في حوار خاص مع صحيفة "فلسطين" عبر الهاتف، أمس: "إنه يجب على الفلسطينيين مواصلة مطالَبة بريطانيا بالاعتذار عن وعد "بلفور" حتى تعترف بخطاياها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني"، محذرًا في الوقت ذاته، من أن ما تعرف بـ"صفقة القرن" التي تعدّ لها أمريكا تهدف لإنهاء القضية الفلسطينية وإغلاق ملفها في إطار التفاهمات الجديدة بالمنطقة، إلا أنه أكد أنه "طالما هناك مقاومة للغطرسة الإسرائيلية فإن قضية فلسطين ستبقى محورية".

وفيما يأتي نص الحوار:

س1: ما موقفك من استمرار رفض بريطانيا الاعتذار للشعب الفلسطيني عن "وعد بلفور"، بعد أن أبدت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، فخرهم بدور بلادها في إقامة (إسرائيل)، وأنها ستحتفل بمئوية الوعد بدل الاعتذار؟

ج: بريطانيا ترفض تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه وعد بلفور بنفس الكيفية التي رفضت بها إسبانيا تحمل مسؤولياتها التاريخية، عندما اعتذرت لليهود ولم تعتذر للأندلسيين المسلمين الذين تم طردتهم، فدائمًا وأبدًا نحن أمام سياسة المكيالين، هناك شعوب نعتذر إليها وشعوب يمكن عدّها من الدرجة الدنيا لا نعتذر إليها.

إن حق الفلسطينيين هو مواصلة هذا الطلب وعدم التخلي عنه، إلى أن يأتي يوم تتغير فيه الحكومات وتنقلب موازين القوى، حتى تعترف هذه القوى القديمة المستعمرة بخطاياها تجاه الشعوب المظلومة، وتقدم ما يجب أن تقدمه وهو الاعتذار.

س2: ما آلية الضغط السياسي المطلوبة على مستوى الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية للضغط على بريطانيا لتغير موقفها السلبي تجاه الشعب الفلسطيني وتعتذر عن خطئها التاريخي؟

ج: الأمة العربية في أتعس وضع نظرًا للحروب الأهلية وفشل الربيع العربي والتدخل الإقليمي في شؤوننا، نحن في أسوأ وضع في تاريخنا؛ ويمكن القول إن كل شعوب الأمة اليوم هي تحت الوصاية.

فلن يعطى لنا قيمة إلا اذا بنينا قوتنا الذاتية، كشعوب ودول ثم يكون لنا صوت، لا نخطئ إن قلنا اليوم إنه لا صوت لنا، فالسياسة مبنية على توازنات، وموازين القوى في هذا الظرف لا يحسب لنا ألف حساب، المهم أن نعيد بناء بيتنا وقوتنا الداخلية وستتأتى الاعتبارات سواء بعد سنة أو عشر أو خمسين، فالمهم إعادة بناء البيت العربي الذي يخرب يومًا بعد يوم.

س3: لكن كيف سيعاد بناء البيت العربي في ظل الصراعات التي تحدث اليوم؟

ج: نشاهد تدمير دول ومجتمعات وخرابًا متواصلًا، حتى القضية الفلسطينية تراجعت أهميتها عند الأمة العربية، وهذا بسبب الثورات المضادة للأنظمة العربية التي رفضت الربيع العربي والتحديث، ثم قامت بهجوم كبير على هذه الثورات، فالشعوب الآن مهددة في وجودها الذاتي، وبالتالي قوى الخلق والإبداع بداخلنا يجب أن تتواصل ويجب أن نعود لأهداف الربيع العربي.

أتوقع أنه ستكون هناك موجة ثانية من الثورات الديمقراطية لفرض وجودها؛ المسألة ستأخذ وقتًا لكن الشعوب لا تموت والمعارك ما زالت متواصلة، حتى نعود لمرحلة البناء، نحن الآن في مرحلة التخريب والتهديم، وسنبدأ البناء حينما تنتهي هذه الزلازل والبراكين التي تعصف بالأمة الآن.

س4: يعني تتوقع أن تعود الثورات العربية مرة أخرى؟

بالطبع، فالثورات العربية في 2011 كانت مفاجئة للأنظمة الاستبدادية، وهي ستفاجأ بموجة ثانية من الثورات الديمقراطية؛ لأن القضية بالنسبة للشعوب هي قضية وجود، ولا تستطيع العيش في ظل أنظمة استبدادية فاسدة رفضت كل الإصلاحات، والمسألة مسألة وقت إلى أن تستقيم الأمور حتى نصل لمرحلة تصبح الشعوب لها دول وليس الدول لها شعوب.

س5: "شاهدنا بعض المواقف من برلمانيين عرب من الكويت وتونس والأردن، تفاعل معها العالم في المؤتمر الأخير للاتحاد البرلماني الدولي في سانت بطرسبرغ الروسية"، كيف يمكن تفعيل البرلمان العربي في خدمة القضية الفلسطينية؟

ج: يجب التفرقة بين مبادرات الشخصيات النيابية الفردية كرئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، والهياكل العربية كجامعة الدول العربية، والاتحاد المغاربي، والمجالس البرلمانية الخليجية، فهي شكلية وضعيفة وفاشلة ومنتهية الصلاحية ولم تقدم أي خدمة للأمة العربية.

أما هياكل الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي، هذه كيانات قوية تعكس إرادة شعوبها، للأسف لم نبنِ حتى الآن مثل هذه الهياكل، آمل أن نبني وأن يكون لنا في العقود المقبلة برلمان عربي حقيقي إذا استطعنا الخروج من أزمة التدمير الحالية.

س6: هل يمكن أن نستثمر الهياكل البرلمانية الأوروبية القوية؟

ج: بالطبع، فالقضية الفلسطينية رغم كل شيء ما زال لديها أنصار، وعلى كل المنظمات العربية الحقوقية والسياسية والوطنية أن تستغل كل الفرص الموجودة لرفع القضية الفلسطينية للعالم حتى لا تموت، نحن الآن في عالم توازنات قوى ليس في صالحنا، ونمر في حالة تشتت وانهيار، لذا العمل الأساسي يجب أن يكون ذاتيًا ببناء المجتمعات والدول والاقتصادات القوية حتى يكون لنا دور قوي بالعالم.

اليابانيون والكوريون ظلوا 50 سنة لا وجود لهم على الساحة الدولية، وشيئًا فشيئًا بنوا قواهم الذاتية، واهتموا بشؤونهم، ونحن العرب نريد أن يكون لنا وزن خارجي بالعالم وبنيتنا الداخلية مهمشة ومنكسرة وهذا لا يستقيم.

س7: "في ظل وجود موجة من التحولات الإقليمية والحديث عن "صفقة القرن" التي تقودها أمريكا".. هل اتضحت ملامح هذه الصفقة؟

ج: نعم اتضحت؛ الدول العربية اليوم تحت الوصاية وأموالها وخياراتها تذهب للخارج وهذا سيتواصل، طالما لم تكن لنا دول قوية ووطنية مهمتها الدفاع عن الأمن القومي العربي وشعوبها، والصفقات التي تتم للبحث عن حماية خارجية.

س8: "يدور الحديث عن أن القضية الفلسطينية ستكون جزءًا من هذه الصفقة الإقليمية".. على أي أساس يريدون أن تكون جزءًا من الحل، هل هو على أساس هضم الحقوق الفلسطينية؟

ج: القضية الفلسطينية بالنسبة لهم يجب أن تنتهي وملف يجب أن يغلق في إطار التفاهمات الجديدة، في ظل الوضع المتردي الذي تعيشه كل شعوب المنطقة، فمأساة الشعب الفلسطيني بدأت تأخذ طابعا صغيرا مقارنة بما يحدث في سوريا واليمن.

لكن القضية الفلسطينية ستبقى محورية؛ لأنهم لن يستطيعوا أبدًا تفاديها، طالما هناك مقاومة وطنية للغطرسة الإسرائيلية، من أجل حقوق الشعب فإنها ستتواصل من أجل الوصول لحل عادل.

س9: برأيك ما أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية اليوم؟

ج: هو تهميشها في خضم القضايا الكبرى، بعد أن كانت محور الصراع العربي الإسرائيلي لمدة 50 سنة، لكن الآن مع الكارثة التي حلت بكامل المنطقة العربية، أخشى أن تصبح في ذيل اهتمامات الشعوب العربية، فواضح أن من حجَّم هول المعاناة الموجودة عند أكثر من شعب عربي تجعل هول الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني يتراجع في عقول الناس نتيجة الأنظمة الديكتاتورية، لكن لا يمكن حل كل مشكلة على حدة وتجاهل المشكلة الفلسطينية التي ستبقى جزءًا مركزيًّا من الإشكالية العامة.

س10: هل يمكن أن تلعب القضية الفلسطينية اليوم دورًا في وحدة الأمة العربية والإسلامية؟

ج: القضية الفلسطينية كانت في السابق شارة الانتماء، فجزء من الهوية العربية هي القضية الفلسطينية، لكن هناك من يريد تصفية القضية الفلسطينية عبر استسلام لا يؤدي إلا لتأخير الانفجارات دون حل الأزمة، وعندما تسحب القضية شيئًا فشيئًا تدريجيًّا من عقول العرب فإن جزءًا هويتهم ينهار، اليوم قضية الانتماء العربي وتعريف العربي محل شك، حول ماذا تعني الهوية العربية المشتركة، في ظل تقاتل السنة والشيعة وانفجار الدول والقوميات التي تطالب بحقها.

س11: "نسمع بلجان ومسميات عربية عدة تدعم القدس ماليًّا، لكن في ظل الهجمة الإسرائيلية الشرسة على مدينة القدس من هدم البيوت والاعتقالات واقتحامات المستوطنين".. ما رأيك بالدعم العربي والإسلامي المقدّم للقدس؟

ج: حضرت أكثر من قمة عربية وإسلامية، الكلام جميل جدًا في هذا السياق ولكن الدعم الحقيقي متواضع، خاصة حينما نقارن بين ما تدفعه الكثير من الأنظمة في أمور "تافهة" وما تقدمه للقدس، في الواقع الدعم الأساسي للقدس هو من المواطنين العرب، لذلك يجب أن يعول الفلسطينيون والمقدسيون على أنفسهم، لأن الدعم المقدم مشروط وغير لائق فيما يتعلق بأولى القبلتين وثالث الحرمين.

س12: لكن هل هذا التهميش الرسمي للقدس متعمد؟

ج: ليس متعمدًا فقط، القدس لا تهمهم، اليوم هناك أنظمة تبحث عن الحماية والبقاء على قيد الحياة، في مواجهة شعوبها، وبالتالي قضية القدس وفلسطين بالنسبة لهم للاستهلاك الداخلي والخارجي الداخلي وليست أولوية، لأن القدس ستكون أولوية لأنظمة قوية وطنية مستقلة.

س13: "مر أحد عشر عامًا على حصار قطاع غزة، وقد شاركت أنت شخصيًا على متن أسطول الحرية لكسر الحصار، ورغم كل حملات التضامن ما زال الحصار مستمرًا حتى الآن".. ما الذي سيُلزِم الاحتلال بفك الحصار؟

ج: حصار غزة جريمة بكل المقاييس سواء ضد الإنسانية والأعراف والقوانين وحقوق الإنسان، لكن المسؤول الأساسي عن هذه الجريمة ليس (إسرائيل) وحدها بل هناك شركاء، فجريمة أيضًا أن يحاصرها الأشقاء.

ونعود إلى أصل المشكلة؛ فوضعنا في حصار غزة والقدس نتيجة الأنظمة العربية المصرة على محاربة كل نفس تحرري، فمعركتنا الأساسية هي تحرير بلداننا من أنظمة سياسية فاسدة تابعة، وعندما تحقق أحلام الربيع العربي سنعود إلى ساحة الأمم بقوة ونستعيد كرامتنا ووزننا وسندافع عن حقوقنا وسنفرض سلامًا عادلًا يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.

س14: ما موقفك من اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي "فتح" و"حماس" بضمانة مصرية؟

ج: كل ما يدعم مصالحة وطنية حقيقية نحن معه، فالفلسطينيون أدرى بأمورهم، لكن إحدى مصائب الشعب الفلسطيني تدخّل الأنظمة العربية، الذين لو تركوهم دون تدخل ربما كانت الأمور أفضل، ما يتفق عليه الفلسطينيون نحن ندعمه ومعه، ونأمل أن تكون مصالحة حقيقية تحفظ وحدة الفلسطينيين وحقوقهم وتفوت الفرصة على محاولات إثارة الخلاف بين الإخوة والأشقاء.

س15: هل نحن بالفعل أمام مرحلة يتم فيها هرولة الأنظمة العربية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟

ج: هناك فرق بين السلام العادل لإخراج المنطقة من الحرب، وبين الاستسلام للشروط الإسرائيلية الحالية وقبولها والتضحية بكل القيم، بقدر ما أنا مع شرط سلام عادل يعطي الشعب الفلسطيني حقه ويقطع الحرب التي دمرت المنطقة، ويوقف النزيف المالي نتيجة النفقات العسكرية، بقدر ما أعدّه أننا ندخل في عملية استسلام الأنظمة العربية لشروط الاحتلال.

في الختام، "أوجه التحية للشعب الفلسطيني وقطاع غزة، فحلمي أن أزور القطاع وأن ألتقي العائلات التونسية هناك".

اخبار ذات صلة