رغم إدراكه أنه لن يتمكن من رؤية الشمس كونه فاقد البصر، إلا أنه سيشعر بها دون أن تحجبها قيود أو قضبان حديدية. كما أنه لن يستطيع أن يهرول فرحًا على ثرى وطنه بعدما تم بتر قدمه، لكن فرحته بالحرية لا تقدَّر، فهو يدرك أن فاتورتها غالية، تُسدَّد من أرواح وأعمار الشعب الفلسطيني.
الأسير المحرر محمد خميس براش، البالغ من العمر 46 عامًا، من مدينة رام الله، اعتُقل عام 2003، ووجِّهت إليه تهم عديدة، لتحكم عليه المحكمة الإسرائيلية بالسجن 3 مؤبدات و35 عامًا. قضى داخل سجون الاحتلال 22 عامًا، لم تكن سوى قطعة من العذاب والوجع بسبب سياسة الاحتلال في التعامل مع الأسرى، وخاصة المرضى منهم.
يقول براش لـ فلسطين أون لاين: "في بداية الاعتقال، قضيت فترة التحقيق في ظروف قاسية جدًا، خاصة أنني فاقد للنظر ومبتور القدم، فتم وضعي في زنزانة شديدة البرودة، ولم يتم تقديم العلاج اللازم لي".
كان براش يفتقد الحرية، بينما مشاعر الشوق والحنين للوطن والأهل كانت تفتك به دون أن يستطيع فعل شيء. يضيف: "مهما حاولت أن تكون قويًا، تجتاحك الذكريات للأقارب، فتشعر أنك ضعيف، لا تتمكن من فعل أي شيء".
كان يعاني قبل الاعتقال من إصابة أدت إلى بتر قدمه اليسرى وأثرت على نظره، ولكن سياسة الإهمال الطبي تسببت له بفقدان كامل للبصر.
ويتابع براش حديثه: "ما زاد وضعي سوءًا هو سياسة الإهمال الطبي المتبعة ضد الأسرى داخل السجن، فكنت أعاني من عدم تقديم العلاج اللازم لي. كان من الممكن علاجي في السنوات الأولى من الاعتقال، ولكن الإهمال الطبي المتعمد وعدم تقديم العلاج اللازم أديا إلى تدهور حالتي الصحية".
كان يتمنى إتمام العلاج ليتمكن من استعادة نظره، ولكن بسبب الاعتقال بدأت عيناه تفقدان الرؤية تدريجيًا حتى فقد البصر بالكامل، ليُحرم يوم تحرره من رؤية ما كان يتوق لرؤيته، كالأهل والأصدقاء والشمس وغيرها.
يصمت قليلًا، ثم يكمل حديثه: "لم أفقد الأمل في الحرية، فهي حق لكل أسير، وبفضل الله عز وجل ها أنا اليوم بين أهلي وأحبتي وإخواني".
عندما سمع براش أخبارًا متواترة عن صفقة تبادل محتملة، راودته مشاعر مختلطة بين الفرح والألم على فقدان أبناء شعبه العظيم، لكنه كان على أبواب الحرية.
ويتابع بقوله: "انتصرتُ هذا اليوم بعد 22 عامًا، والحمد لله لم نفقد الأمل يومًا. أما عن استقبال أبناء شعبي لي، فكان شيئًا عظيمًا، شعرت أنني أطير. لم يتركوني ألمس الأرض، كنت محمولًا على الأكتاف، وأصوات الهتافات من حولي كانت شعورًا في غاية الجمال".
ويختم براش حديثه: "الحمد لله أنني اليوم بين أبناء شعبي الصابر المرابط، الذي لم ينسَنا. الحمد لله الذي منَّ عليَّ بالحرية والفرج، وإن شاء الله قريبًا نلتقي بباقي الأسرى على أرض وطننا الحبيب. ها قد بدأت تشرق شمس الحرية، رحم الله شهداءنا الأبطال، فهم النور الذي أضاء لنا طريق الحرية. الحرية لكل أسرانا، والشفاء العاجل لجرحانا، وكل العزة والفخر لأهلنا الصابرين المرابطين في غزة العزة، غزة الشموخ والفخر. لا توجد كلمات توفي غزة حقها، فالكلمات تعجز عن وصفها".