تواجه الضفة الغربية المحتلة مرحلة اقتصادية غير مسبوقة من التدهور، وسط تصاعد سياسات الاحتلال الإسرائيلية الرامية إلى فرض سيطرة أوسع على الأراضي الفلسطينية.
ومع استمرار مساعي الاحتلال لما يسمى "ضم" أجزاء واسعة من الضفة، يحذر خبراء الاقتصاد من تداعيات كارثية تطال القطاعات الإنتاجية، وترفع معدلات البطالة، وتعمّق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاحتلال، ما يهدد بانهيار شامل ينعكس مباشرة على معيشة الفلسطينيين.
يؤكد الخبير الاقتصادي د. هيثم دراغمة أن "الضم الإسرائيلي" سيضرب قلب الاقتصاد الفلسطيني، من خلال الاستيلاء على مساحات زراعية واسعة، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، في ظل غياب بدائل حقيقية لتعويض النقص.
كما يحذر دراغمة في حديث مع "فلسطين أون لاين" من أن القطاع الصناعي لن يكون بمنأى عن التداعيات، حيث ستؤدي القيود المفروضة على استيراد المواد الخام وإغلاق الأسواق أمام الصادرات الفلسطينية إلى تراجع كبير في الإنتاج الصناعي، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية.
وتشير المعطيات إلى أن النشاط الصناعي شهد تراجعًا بنسبة 33%، حيث انخفض في الضفة الغربية بنسبة 30%، مما أدى إلى انخفاض قيمة الإنتاج إلى حوالي 1,038 مليون دولار.
كما تراجع النشاط الزراعي بنسبة 32%، مع انخفاض بنسبة 17% في الضفة الغربية، لتصل قيمة الإنتاج إلى حوالي 564 مليون دولار.
ويرى دراغمة أن سلطات الاحتلال تعمل على إحكام قبضتها الاقتصادية على الفلسطينيين، بحيث يصبح السوق الفلسطيني أكثر ارتباطًا بالاقتصاد الإسرائيلي، سواء من حيث استيراد السلع أو الاعتماد على اليد العاملة، مما يعمّق الفجوة الاقتصادية ويضعف قدرة الفلسطينيين على تحقيق أي نوع من الاستقلال الاقتصادي.
ويؤكد أن هذه السياسة ستؤدي إلى تجفيف الموارد الفلسطينية، ما يجعل الفلسطينيين عاجزين عن تحقيق أي نمو اقتصادي حقيقي، ويضعف من قدرتهم على توفير الخدمات الأساسية.
ويقترح دراغمة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة كوسيلة لخلق فرص عمل جديدة، إضافة إلى تعزيز العلاقات التجارية مع الدول العربية والإسلامية لفتح أسواق بديلة أمام المنتجات الفلسطينية.
عزوف المستثمرين
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي د. نائل موسى أن مساعي الضم ستؤدي إلى عزوف المستثمرين عن ضخ أموالهم في السوق الفلسطينية، نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني، ما يعني تراجع المشاريع الاقتصادية وتفاقم الأزمة المالية.
كما يحذر موسى في حديث مع "فلسطين أون لاين" من أن الضغوط الدولية المتزايدة قد تؤدي إلى تقليص المساعدات الخارجية، ما يفاقم الوضع الاقتصادي، خاصة أن السلطة في رام الله تعتمد بشكل أساسي على الدعم الدولي لتمويل ميزانيتها ودفع رواتب الموظفين.
وأشار موسى إلى أن التداعيات الاقتصادية لضم الضفة لن تظل محصورة في نطاق الأرقام والإحصاءات، بل ستنعكس بشكل مباشر على الحياة اليومية للفلسطينيين.
فمن المتوقع أن ترتفع تكاليف المعيشة بشكل حاد، مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع أسعار السلع الأساسية نتيجة القيود التجارية المفروضة من قبل الاحتلال.
ويؤكد أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل أساسي على تحويلات العمال الذين يعملون في الداخل المحتل ومع فرض قيود إضافية على دخولهم، فإن معدلات البطالة ستقفز إلى مستويات غير مسبوقة، ما سيؤدي إلى تفاقم الفقر وتراجع القدرة الشرائية.
ويضيف موسى أن الأوضاع الحالية تشير إلى سيناريو قاتم، حيث ستواجه آلاف الأسر الفلسطينية خطر الانزلاق إلى دوامة الفقر المدقع، خاصة في ظل تراجع فرص العمل وغياب أي خطط حكومية قادرة على استيعاب العمال المتضررين.
وتشير الإحصاءات إلى منع حوالي 170 ألف عامل فلسطيني من مواصلة عملهم الداخل المحتل ، مما أدى إلى فقدان مصدر دخل رئيسي للعديد من الأسر وتفاقم معدلات البطالة، التي وصلت إلى 31%. كما تراجعت الصادرات الفلسطينية بنسبة 13.8%، بقيمة 710 ملايين دولار، وهو ما أدى إلى مزيد من التدهور في الاقتصاد الفلسطيني.

