فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

"تقاربت المسافات الزَّمنية وأنهتْ سنوات الانتظار"

أحكام المؤبد.. "حبرٌ على ورق" مزَّقته المقاومة وفتحتْ أبواب السجن

...
أحكام المؤبد.. "حبرٌ على ورق" مزَّقته المقاومة وفتحتْ أبواب السجن
غزة/ يحيى اليعقوبي

بعدما كانت الحرية بعيدة عن الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالسجن المؤبد، أو شبه مستحيلة بالنظر إلى عدد سنوات السجن الطويلة، تحولت تلك الأحكام التي غيّبت الأسرى خلف القضبان لسنوات طويلة إلى "حبرٍ على ورق"، مزقتها المقاومة خلال المرحلة الأولى من صفقة التبادل. تقاربت معها المسافات الزمنية، وأنهت سنوات الانتظار التي أثقلت قلوب الأهالي، وفتحت أبواب الحرية والأمل على مصراعيها، رغمًا عن أنف السجان، الذي فك القيود بيديه كما وعدت المقاومة.

مع كل دفعة من صفقة التبادل، يغادر أسرى المؤبدات، سواء المُبعدون أو المفرج عنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وسط احتفاء شعبي كبير. يعودون إلى الحياة من تلك السجون التي كانت أشبه بـ"مقابر الأحياء". لم يكن هذا الحلم ليتحقق لولا سيف المقاومة الذي كسر تلك المؤبدات الظالمة، بعد أن أسرت عشرات الجنود والضباط والمستوطنين، ليعانق هؤلاء الأسرى المنسيون حرية طالما انتظروها.

حلم تحقق بتضحية

مع بدء الحديث عن صفقة التبادل قبل شهر، ودون أن تعرف حتى إن كان اسم ابنها مُدرجًا ضمن الصفقة، سافرت والدة الأسير شادي أبو شخيدم، وهو من سكان محافظة الخليل بالضفة الغربية، إلى الأردن، وظلت تترقب بفارغ الصبر الإفراج عن نجلها. تغمرها لهفة الانتظار والشوق لرؤيته بعد 23 عامًا من الغياب في السجون، إذ اعتُقل في 13 أبريل/نيسان 2002، وحُكم عليه بالسجن ستة مؤبدات وعشرين سنة، ولم يكن عمره آنذاك يتجاوز 18 عامًا. لكنه تحرر ضمن الدفعة الخامسة من صفقة التبادل في 15 فبراير/شباط الجاري، وأُبعد إلى مصر.

تقول شقيقته وداد لـ "فلسطين أون لاين": "منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما تبعه من حرب إبادة وإجراءات الاحتلال ضد الأسرى، انقطعت أخبار أخي، وكان وضعه الصحي سيئًا، والطعام المقدم فقط لإبقائهم على قيد الحياة. رغم أحكام المؤبدات التي كبلت حياته، لم ينقطع أملنا بالله الذي فرّج كرب الأسرى، وبفضل المقاومة وصمود أهل غزة وتضحياتهم، تكللت الجهود بالإفراج عن الأسرى".

كانت شقيقته تتمنى استقباله في الخليل، لكن وجوده حرًا في أي مكان في العالم، بعيدًا عن قضبان الاحتلال، كان كافيًا ليخفف من وطأة الفراق. تقول بصوت تغمره الفرحة: "أهم شيء أنه بعيد عن عذابات السجون. تحدثنا معه، وكان وضعه الصحي صعبًا بسبب فقدانه الكثير من وزنه جراء سياسة التجويع، لكن وجود أمي وأخي معه يجعله سعيدًا، وهذا اللقاء الذي انتظرته أمي منذ 23 عامًا".

معاناة الأسرى المحررين

هذا الحال ينطبق على عائلة الأسير إياد حربيات من محافظة الخليل، المحكوم بالسجن المؤبد وعشرين سنة، والتي لم تكن تتوقع الإفراج عنه بهذه السرعة.

اعتقل الاحتلال حربيات في 21 سبتمبر/أيلول 2002، وكان يبلغ من العمر آنذاك 19 عامًا. أمضى في السجون 23 عامًا، وتحرر ضمن الدفعة الخامسة في 15 فبراير/شباط الجاري بعمر 42 عامًا، لكنه خرج بحالة صحية صعبة، استدعت نقله إلى المستشفيات المصرية حيث أُبعد.

يقول شقيقه يوسف لـ "فلسطين أون لاين": "خرج أخي من السجن أشبه بجسد متحلل، لكن حالته الصحية تتحسن وأصبح يشبه البشر مجددًا. زاد وضعه سوءًا عدم إجراء العمليات الجراحية المطلوبة خلال السجن، إضافة إلى سياسة الإهمال الطبي التي تعرض لها".

بمجرد إدراج اسمه ضمن المرحلة الأولى لصفقة التبادل، حاولت والدته السفر عبر الجسر الواصل بين الأردن والضفة الغربية، إلا أن الاحتلال منعها من السفر، ما مثّل صدمة نغّصت فرحتها بالإفراج عن نجلها.

يضيف شقيقه: "كسروا فرحة أمي. كنا كأسرة أسير محكوم بالمؤبد غير قادرين على زيارته، رغم أنها كانت تذهب في كل موعد زيارة كل أسبوعين، لكنها لم تستطع لقاءه إلا مرة كل أربعة أشهر، بحجج واهية، إما بدعوى معاقبته أو بسبب نقص في تذكرة الزيارة، أو بحجة وجود محاكمة".

لقاء قريب

ورغم أن الأسير بلال البرغوثي، المحكوم بالسجن المؤبد 17 مرة، لم يُدرج اسمه في المرحلة الأولى لصفقة التبادل، فإن ذلك لم يمنع خطيبته "بيان"، التي ارتبطت به قبل عامين ونصف، من التحضير لاستقباله، وشراء ملابس له، وإكمال تجهيز بيتهم في حال عدم إبعاده.

تقول بيان لـ "فلسطين أون لاين" بنبرة أمل: "تغير كل شيء بالنسبة لي. بعد أن كان اللقاء مستحيلًا، وأخبرني البعض بأنني ارتبطت بأسير سيبقى مدى الحياة داخل السجون، أصبح اللقاء قريبًا، وبدأت أشعر أن المرحلة الثانية لن تطول كثيرًا رغم صعوبتها".

تستذكر اللحظات المصاحبة لقرار ارتباطها به: "استغرب البعض من قراري الارتباط بأسير محكوم بالمؤبدات. قالوا لي: (قتلتِ عمركِ لأجل ماذا؟). لكنني كنت مستعدة لانتظاره عشر سنوات وأكثر، لأنه رجل صاحب خلق ودين ومجاهد".

وتضيف: "كان دافعي الأساسي أنه ضحّى بعمره، ومعنوياته هي رأس ماله، وكان يشعر بالأمل الذي منحته إياه، ولم أتوقع أن تنقضي المؤبدات بهذه السرعة، ويصبح اللقاء قريبًا جدًا".

تفاصيل الصفقة

تشمل المرحلة الأولى من صفقة "طوفان الأحرار"، الإفراج عن 1737 أسيرًا فلسطينيًا، تمتد على مدار 6 أسابيع، بواقع دفعات أسبوعية.

وتشمل المرحلة الأولى إجمالًا: 120 امرأة وطفلًا، و296 أسيرًا محكومًا بالسجن المؤبد، و1000 أسير من غزة اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر، 47 أسيرًا من محرري صفقة "وفاء الأحرار" الذين أُعيد اعتقالهم.

ويبلغ عدد أسرى المؤبدات في سجون الاحتلال نحو 550 أسيرًا، ما يعني أن المقاومة في المرحلة الأولى حررت أكثر من نصفهم.

المصدر / فلسطين أون لاين