وقف أبو أمير حجازي فوق ركام شقته التي كانت في الطابق الخامس، ينبش بين الأنقاض، يبحث عن ملابس تقيه من برودة الطقس قد تكون نجت من صواريخ الاحتلال الإسرائيلي التي سوت العمارة التي كان يسكن بها بالأرض.
منذ أن انسحب الاحتلال الإسرائيلي من محور الشهداء (نيتساريم) في الثامن من فبراير الجاري، وحجازي يتردد على بيته الواقع في شارع "10" جنوبي مدينة غزة، يبحث عما يمكن أن يستفيد منه من بقايا ممتلكاته.
تكسير الركام
بدون رافعة ولا جرافة، يستخدم حجازي (40 عامًا) كلتا يديه، ومطرقة لتكسير الركام، واستطاع أخيرًا بعد ساعتين من التكسير تخليص سجادة وأنبوبة غاز، وشعر حينها كأنه حقق إنجازًا كبيرًا، لأنه سيتمكن أخيرًا من الاستغناء عن الطهو على الحطب واستبداله بالغاز الطبيعي.
في نهاية شارع "10" شرقًا، يوجد دوار الكويت الذي كانت تتمركز عنده القوات الإسرائيلية، وتضع حاجزًا لتفتيش النازحين من شمال القطاع نحو جنوبه، وشهد سقوط عشرات الشهداء أثناء محاولتهم عبوره، أو أثناء انتظار شاحنات الطحين.
"لم تبقَ للشارع أي ملامح"، هكذا بدأ رامي عبدو حديثه عن هول الدمار الذي تعرضت له المنطقة، حيث تمت تسوية جميع المباني بالأرض، وتجريف جميع الطرق، والأشجار، والمساحات الزراعية الخضراء التي كانت السمة الغالبة للشارع.
يقول عبدو لـ "فلسطين أون لاين": "أثناء عودتي من الجنوب، صُدمت من مشهد المكان الذي عشت فيه عشر سنوات، لوهلة تهت عن المكان الذي تحول إلى صحراء، والسيارات مدمرة يأكلها الصدأ، وكذلك حديد المباني، والحشائش قد نبتت بين الركام، كأن المكان مهجور ولم يصله أحد منذ زمن بعيد".
ويتابع: "لم أنهِ بعد دفع أقساط الشقة التي بنيتها بالقرب من منزل والدي منذ ثلاث سنوات، وأجهزتها مع زوجتي بما كنت أحلم به من أثاث وديكورات، وفي لحظة، حطم الاحتلال هذا الحلم وحوّل البيت إلى كومة حجارة".
أكوام رمال
بينما كان بسام فروانة يبحث عن مكان يضع فيه خيمته، وجد الشارع فارغًا تمامًا من السكان. لم يجد سوى بعض الأشخاص الذين جاءوا ليتفقدوا منازلهم أو مزارعهم، ليتفاجأوا بأن المكان لا يزال منطقة خطرة، ولم يسمح الاحتلال للصليب الأحمر بإنشاء مخيم فيها بعد.
يقول فروانة: "أثناء الهدنة التي جرت في نوفمبر من العام 2023، تمكنت من الوصول إلى البيت، وكان لا يزال موجودًا رغم نشوب الحرائق فيه، حينها سجدت شكرًا لله. وأثناء مغادرتي للبيت، نجوت بأعجوبة من القناصين، حيث استشهد أكثر من شخص أثناء محاولته عبور الشارع طيلة الخمسة عشر يومًا الماضية".
ويضيف: "كان الشارع هادئًا، فلم يكن مكتظًا بالسكان، ويغلب عليه البساتين، وكروم العنب، والحمضيات، والخضروات. وظل طيلة الحرب، كل من يصل إليه يكون في عداد المفقودين، واليوم تحول إلى أكوام من الرمال".
خسرنا كل شيء
أما محمد عبد الكريم، فيروي أول يوم حاول فيه الوصول إلى بيته: "اتجهت كعادتي نحو ما علق في ذاكرتي بأنه مدخل شارع 10، المجاور لشارع نيتساريم الذي أسماه الاحتلال (محورًا)، فلم أجد معلمًا للشارع أصلًا".
ويردف عبد الكريم لـ "فلسطين أون لاين": "الشارع اختلط مع الدمار، فتحول إلى منطقة رملية، ولم أستطع الوصول إلى عمارتنا، حيث شقتي وشقة أهلي وشقتا إخوتي، التي اشتريناها حديثًا قبل الحرب بثلاث سنوات، في هذا المكان الذي كان يُسمى (غزة الجديدة) مع التوجه البلدي ليصبح مركز المدينة الجديدة، لكنه أضحى بلا معالم، وخسرنا فيه كل شيء..".