في ريعان شبابه، كان سيف العودة يحلم بمستقبلٍ مشرق، طامحًا إلى العلم والنجاح، وكانت آماله كبيرة بأن يكون له دور فاعل في المجتمع، ويحقق أهدافه التي طالما سعى إليها. لكن الاحتلال الإسرائيلي كان له رأي آخر، فاعتقله وهو في سنٍ صغيرة، ليحرمه من استكمال تعليمه وتحقيق طموحاته.
قضى العودة، البالغ من العمر ٢٢ عامًا، من بيت فجار، قرب بيت لحم، عامين في سجون الاحتلال، كانت مليئة بالمعاناة والحرمان. يقول لـ "فلسطين أون لاين": "الحياة اليومية في السجن لا تطاق، فلا السعادة تحققت، ولا الأمل استمر. كنت أعيش بعيدًا عن عائلتي، وحرمت من زيارة أهلي ومعرفة أخبارهم، وكنت أعيش كباقي الأسرى في وضع صعب".
وعدا عن ذلك، كانت تطالعه عيون ضباط التحقيق الذين حاولوا انتزاع أي اعتراف قسري منه، فواجه الاستجواب المستمر والتعذيب النفسي والجسدي في محاولة لإجباره على الاعتراف بتهمٍ لم يرتكبها، لكن إرادته كانت أكبر من أي محاولات لكسره.
ويضيف العودة: "ورغم ذلك، تمت محاكمتي بثلاثة أعوام ونصف دون وجود تهمة ضدي أو دليل، فقضيت منها عامين كانا من أصعب أيام حياتي، ورغم الحكم الصادر عن المحكمة الإسرائيلية، لم أتوقع يومًا أن أعود لمواصلة حياتي الروتينية".
ويذكر أنه سبق أن تم اعتقاله وهو شبل، فحُرم حينها من استكمال دراسته أسوةً بأبناء جيله، والتي كانت تعد من أبسط حقوقه.
ومع تسرب أخبار عن صفقة لتبادل الأسرى، بدأ الأسرى يعيشون على أمل، رغم عدم وجود أي معلومات تؤكد أو تنفي ذلك، خاصة أن إدارة مصلحة السجون تمنع تسرب هذا النوع من الأخبار، كونها تبث الفرح والسرور في قلوب الأسرى الفلسطينيين.
ويسرد العودة: "في لحظةٍ مظلمة، وتحت ضربات التعذيب، تعرضت لإصابة بالغة في أنفي نتيجة اعتداءٍ وحشي، قبل أن يتم الاتفاق على صفقة تبادل الأسرى. كانت الإصابة تشير إلى أن الحرية تأتي أحيانًا بثمنٍ باهظ".
وفي وقتٍ لم يتوقعه أحد، جاء الفرج، بعدما فقدت والدته تهاني الأمل في احتضان ابنها مرة أخرى. لم تكن تتخيل أن اسم سيف سيكون ضمن المفرج عنهم في صفقة طوفان الأحرار.
وقبل يومين من الإفراج عنه، تلقت والدته مكالمة هاتفية من ضابط إسرائيلي يُبلغها بأنه سيتم الإفراج عن سيف، لكنه اشترط عليها عدة شروط، منها عدم إبداء أي مظاهر للفرح، وأن تأتي بعدد محدد لاستلامه، بحيث لا يتجاوز خمسة أشخاص.
فعانق العودة الحرية، ورأى شمسها دون أن تشوهها القضبان الحديدية، ضمن الدفعة الخامسة من صفقة طوفان الأحرار. ورغم مشاعره الجياشة ومشاعر والدته التي لا توصف عند إطلاق سراحه، كان للألم حضور في تلك اللحظة.
تقول والدته تهاني: "كان ذلك اليوم من أسعد أيام حياتي، فسيف عانق الحرية لأول مرة بعد عامين من العذاب، لكن أوجاعه كانت لا تزال تلاحقه. فقد كان الألم الناتج عن كسر أنفه يرافقه، لأن الاحتلال لم يقدم له العلاج، مما جعل فرحته مختلطة بالوجع".
لكن الأمل عاد ليشرق في قلبه من جديد، رغم الندوب التي خلفها الاحتلال في جسده وروحه.
وقد قرر الأطباء إجراء عملية جراحية له لتخفيف الأوجاع التي ألمّت به بسبب الإصابة. إلا أن سيف، كما كان دائمًا، يرفض الاستسلام. فها هو اليوم، رغم كل ما مر به، يعود إلى الحياة ليواصل بناء حلمه من جديد، متحديًا كل الصعاب التي واجهته في سجنه، ومثبتًا أن الحرية لن تنكسر، مهما حاول الاحتلال إخمادها.