قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إن انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من محور نتساريم يمثل تحولًا إستراتيجيًا في المعركة، إذ فشلت خطته في تقسيم قطاع غزة والسيطرة على شماله، موضحًا تفاوت أهميته خلال مراحل الحرب الممتدة لأكثر من 15 شهرًا.
ويأتي تفكيك القواعد العسكرية الإسرائيلية في المحور ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار، بعد تنفيذ الدفعة الخامسة من الاتفاق بسلاسة، وفقًا لمصادر إعلامية عبرية.
وأوضح الدويري -في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة- أن الاحتلال حاول ترسيخ وجود دائم في المنطقة، لكنه اضطر للتراجع تحت وطأة المعارك وضغوط الاتفاقات السياسية.
وأضاف الدويري أن الاحتلال وسَّع محور نتساريم ليصل عرضه إلى 80 كيلومترًا وعمقه إلى ما بين 6.5 و7 كيلومترات، وأقام 4 مواقع رئيسية مدعومة بـ4 أخرى مساندة.
ولفت إلى أنه بالرغم من بدء جيش الاحتلال إنشاء بنى تحتية لتعزيز ديمومة وجوده، فإن معظم منشآته كانت قابلة للتفكيك، مما يعكس إدراكه إمكانية الانسحاب في أي لحظة.
واعتبر أن الانسحاب ليس مجرد خطوة عسكرية، بل يحمل أبعادا سياسية وإستراتيجية، إذ يعكس إخفاق الرؤية الإسرائيلية تجاه غزة، ويؤكد أن إرادة المقاومة والتفاوض يمكن أن تفرض معادلات جديدة على الأرض.
كيف برزت أهمية محور نتساريم؟
ويرى اللواء المتقاعد فايز الدويري أن أهمية محور نتساريم -الذي كان يفصل شمالي قطاع غزة عن وسطه وجنوبه- تفاوتت على المستويين العسكري والسياسي بحسب المراحل المختلفة في الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وأكد الدويري أن محور نتساريم كان يحظى باهتمام عسكري كبير في بداية العملية البرية الإسرائيلية أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكونه يسهّل على قوات الاحتلال إجراء مناورات عسكرية.
ووفق الدويري، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي دخل محور نتساريم خلال الأيام الـ10 الأولى من المعركة البرية، ونجح في الوصول إلى شارع الرشيد الساحلي، مشيرا إلى أن هذا الأمر كان يؤثر على إدارة المقاومة للمعركة الدفاعية.
وفي تلك الفترة، لم يكن يحظى محور نتساريم بالأهمية السياسية لاحقا التي اكتسبها بعد أن صعّدت إسرائيل أهدافها لتصبح القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجناحها العسكري كتائب القسام وتهجيرا كاملا لسكان قطاع غزة، حسب الدويري.
وعادت أهمية محور نتساريم بعد عودة العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى منطقتي الوسط والشمال في القطاع عقب الانتهاء من المرحلتين الأولى والثانية من الحرب، وبات مرتكزا رئيسيا لإدارة العمليات تجاه أحياء الزيتون وتل الهوى والشيخ رضوان بغزة ومخيمات الوسط.
وفي تلك الفترة، برزت قيمة محور نتساريم عسكريا وسياسيا، إذ أصبح حجر الزاوية في كل معارك غزة بعد فشل جيش الاحتلال في تحقيق إنجازاته والأهداف التي سعى لها بدءا من التهجير الكلي إلى التهجير الجزئي في الشمال.
لكن بعد طرح "خطة الجنرالات" الإسرائيلية التي كانت ترتكز على تهجير سكان محافظتي الشمال وغزة، عادت أهمية محور نتساريم -وفق الدويري- سياسيا وعسكريا خاصة في ظل الحاجة إلى منطقة عازلة، إذ حاول الاحتلال جاهدا إنشاءها وتحويلها واقعا، لكنه فشل لتذهب الحكومة الإسرائيلية بعدها إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وبشأن النقاط العسكرية التي أقامها جيش الاحتلال بنتساريم، قال الدويري إنها منشآت قابلة للتفكيك وليست دائمة، وكانت تقع بنقطة وسطية تقدم الخدمة للقوات الموجودة في المنطقة على مدى زمني متوسط لمدة عامين أو ثلاثة.
وأشار الخبير العسكري إلى أن سحب القوات والمعدات القتالية جرى عبر آليات مدرعة وميكانيكية في مختلف النقاط العسكرية الإسرائيلية على طول امتداد محور نتساريم.
وتعليقًا على مشاهد الانسحاب الكامل، قال المحلل الإسرائيلي روعي شارون لقناة "كان" العبريّة، بعد الانسحاب من محور "نتساريم"، لم يتبق الكثير من وسائل الضغط بيد إسرائيل في هذه المرحلة، من المتوقع أن يقوم الجيش صباح الأحد بإخلاء محور نتساريم، وبعد ذلك، ما سيبقى هو بطبيعة الحال إطلاق سراح المزيد من الفلسطينيين.
وأضاف شارون، "عندما يقول رئيس الوزراء: "لن نتجاهل الصور المروعة التي شاهدناها اليوم"، لست متأكدًا ما إذا كان هناك أي شيء آخر يمكن القيام به للضغط على حماس".
فيما نقل موقع واللا العبري عن ضباط كبار في فرقة غزة، قولهم: إنَّ الانسحاب من نتساريم هو تخلي عن أحد وسائل الضغط في المفاوضات وسيكون بامكاننا العودة للسيطرة عليه".
وعلق عضو الكنيست ميخال ميريام فولديغير، على مشاهد انسحاب الجيش الإسرائيلي من نقطة "نتساريم" بعد 15 شهرًا، قائلًا: "صباح صعب، مع انتشار صور الانسحاب من محور نتساريم، هذا يذكرنا بالجنود الذين قلتوا من أجل السيطرة عليه".
وبدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بغزة يوم 19 يناير/كانون الثاني الماضي، ويتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، يتم في الأولى التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة كل من قطر ومصر والولايات المتحدة.