امتدادًا لحرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي استمرت على مدار ١٦ شهرًا من القتل والتدمير الممنهج، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من خلال إعلانه عن خطة لتهجير الشعب الفلسطيني قسرًا من القطاع، أن يخطو خطوة جديدة نحو تنفيذ المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
إعلان ترامب، وفق مراقبين، يُعد خرقًا صارخًا للقانون الدولي، إذ يتنافى مع اتفاقيات جنيف التي تحظر النقل القسري للسكان في الأراضي المحتلة، ويُعد شراكة من الولايات المتحدة مع الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من تصريحات ترامب التي تروج للتهجير تحت غطاء إنساني، فإن هذه الخطوة تندرج في إطار استراتيجية أوسع ترمي إلى تغيير المشهد الجيوسياسي في المنطقة، بما يتماشى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، كما يقول مراقبون.
جريمة حرب
المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عصام عاروري، رأى أن قرار ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين ينسجم مع شخصيته المتقلبة والنرجسية، حيث يسعى دائما للظهور بمظهر القوي والحاسم والذي يفعل ما لم يستطيع الآخرون فعله.
وأوضح عاروري لصحيفة "فلسطين"، أن إعلان ترامب يُشكل خرقا جسيما لاتفاقيات جنيف، التي تمنع النقل القسري لسكان الأراضي المحتلة، وهو بذلك يشكل "جريمة حرب" بموجب القانون الدولي، كما يُشكل تواطؤًا دعمًا واضحا من الولايات المتحدة لجريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
وقال: "إذا كان قطاع غزة ضيقا على سكانه، فإن أكثر من 70 بالمئة منهم لاجئون، ووفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، فإن لهم الحق في العودة إلى بلداتهم الأصلية وبيوتهم، وليس تهجيرهم مرة أخرى".
كما شدد على أن إعلان ترامب يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، التي تمنع حيازة الأراضي بالقوة، وحرمان أي شعب من حقه في تقرير المصير.
ومع ذلك، أكد عاروري أن ترامب "لا يأبه لا بالقانون الدولي ولا بالعلاقات الدبلوماسية ولا بمقتضيات اللباقة، بل يتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، ويتعامل معه كأنه مجرد "بضاعة" يمكن له نقلها من مكان إلى آخر، في تجاهل لحقهم في تقرير المصير الذي يكلفه ميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف: "إعلان ترامب لا قيمة سياسية له"، لكنه أبدى خشية من استخدامه من الاحتلال الإسرائيلي كذريعة لعدم السماح بدخول مواد الاعمار إلى قطاع غزة، متابعا: "الاحتلال قد يستند إلى القرار الأمريكي، بحجة أن القطاع مخصص للإخلاء وبالتالي عدم الحاجة لإدخال مواد البناء".
كما أشار إلى أن (إسرائيل) والولايات المتحدة قد تستخدمان امدادات الطوارئ وسيلة للضغط على الشعب الفلسطيني، كما حدث في المرحلة الأولى من وقف حرب الإبادة، حث لم يلتزم الاحتلال بالبروتكول الإنساني القاضي بإدخال الخيام والبيوت المتنقلة والمعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض ولوازم المستشفيات.
وشدد على أن الفلسطينيين، رغم تدمير قطاع غزة وانعدام مقومات الحياة، عادوا عند أول فرصة إلى شمال قطاع غزة تعبيراً عن تمسكم بأرضهم ورفضهم القاطع لكل مخططات الاخلاء والتهجير، مشيرًا إلى أن هناك اجماعا من كل ألوان الطيف الفلسطيني على رفض هذه المخططات.
ولفت إلى أن المخطط الأمريكي يواجه رفضًا دوليًا وعربيًا، حيث عارضته مصر والأردن، ليس من منطلق التضامن مع الشعب الفلسطيني فقط، ولكن أيضاً لحماية مصالحهما وأمنهما القومي واستقرارهما السياسي.
ووصف عاروري المخطط الأمريكي بأنه "مولود مسخ ولد ميتاً" لا قدرة له على الحياة، لكنه شدد على أنه قد "يستخدم لتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني وخلق مزيد من الضغوط الإنسانية عليه".
رسم خارطة المنطقة
من جانبه، رأى الباحث السياسي والمستشار القانوني في المحكمة الجنائية الدولية، فؤاد بكر، أن سياسات التهجير القسري تشكل جزءًا من الاستراتيجيات الإسرائيلية الأميركية الرامية إلى إعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية في المنطقة.
وقال بكر لصحيفة "فلسطين"، إن "مشروع ترامب للشرق الأوسط لا يمكن فهمه بشكل كامل إلا إذا ربطناه بمساره الدولي الأوسع، حيث أن ترامب لم يكن يقتصر على غزة فقط، بل كان يطمح إلى السيطرة على مناطق أخرى مثل كندا، بنما، والخليج المكسيكي، وصولًا إلى قلب الشرق الأوسط عبر بوابة قطاع غزة".
وأشار إلى أن "ترامب يحاول تجميل خطة تهجير الفلسطينيين والسيطرة على قطاع غزة، حيث يسعى لتقديم هذه الخطة في قالب إنساني". في هذا السياق، قال بكر إن "ترامب يحاول تغليف تهجير الفلسطينيين تحت غطاء "الإنسانية"، حيث يروج لفكرة ضرورة استقبالهم في الدول الأخرى".
وأضاف أن "هذا الخطاب لاقى ترحيبًا إسرائيليًا، إذ يعتبر ترامب أنه يمكن استقبال الفلسطينيين كلاجئين إنسانيين وليس من بوابة التهجير القسري وهو يتماشى مع تصفية "أونروا" والرمز القانوني الذي تمثله".
وشدد على أن تهجير الفلسطينيين إلى مناطق خارج غزة لن يوقف المقاومة الفلسطينية، بل سيستمر الفلسطينيون في صمودهم سواء داخل أو خارج أراضيهم.
وقال إن "محاولة ترامب ابتزاز الفلسطينيين من خلال فكرة إعادة الإعمار تعرض المرحلة الثالثة من صفقة وقف إطلاق النار للخطر، لأنها لا تضمن الحقوق الفلسطينية بشكل كامل". وأضاف أن "الشعب الفلسطيني، الذي تم تهجيره إلى الخيام ولم تُحقق الإبادة الجماعية من خلال تهجيره، سيظل يتمسك بأرضه".
وواصل بكر، قائلاً إن "الدول العربية التي سكتت عن الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين هي أول من سيدفع الثمن جراء هذه المخططات الأمريكية".
وأكد أن "مصر والأردن والدول الأخرى في المنطقة ستواجه ضغوطًا كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ خطة ترامب، ما يهدد بتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل".
وأوضح أن (إسرائيل)، بعد فشلها في تحقيق الإبادة الجماعية، "تحاول اليوم تحقيق "الإبادة السياسية"، وهو ما سيؤدي إلى توحيد الفلسطينيين في مواجهة هذا المخطط".
ورأى بكر أن "سياسات (إسرائيل) الحالية ستساهم في توحيد الفلسطينيين وإعادة توجيه الجهود الفلسطينية نحو مقاومة الاحتلال"، مؤكدًا أن "الفصائل الفلسطينية لن تساوم على حقوقها، والشعب الفلسطيني سيظل ثابتًا في نضاله ولن يرحم أحدًا يحاول المساس بهذه الحقوق".

