وسط ساحة مدرسة "أونروا" لإيواء النازحين في مخيم المغازي، يستقبل الأسير المحرر أحمد محمد أبو جلال (40 عامًا)، زواره ومهنئيه بتحرره من سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لا ينقطع طابور المهنئين عن عناقه فرحًا بتحرره بعد قضائه 18 عامًا من أصل محكوميته البالغة عقدين، وسط دهشته من وجوه وملامح أصدقائه التي غيرتها الحرب الإسرائيلية على غزة طوال 15 شهرًا.
تغمر أحمد أجواء الفرحة بنيل حريته من سجون الظلم والقهر الإسرائيلي وويلات العذاب التي تلقاها خلال سنوات حكمه، وأشدها العام الأخير الذي وصفه بـ"عام العذاب" على الأسرى الفلسطينيين.
ويقول: "لم يرى الأسرى عامًا أشد عذابًا وقسوة وقهرًا وموتًا كالعام الأخير"، وهو العام الذي بدأ بالتزامن مع بدء "حرب الإبادة الإسرائيلية" على غزة.
لم يتوقع المحرر خروجه ضمن صفقة تبادل ("طوفان الأحرار") بين المقاومة والاحتلال، لكنه كان دائمًا يتمنى "الخروج من هذا العذاب وهذا القبر"، بحسب وصفه.
كما تغمر أحمد مشاعر أخرى مختلطة، تارةً حزنًا على والدته التي طالما تمنى رؤيتها واحتضانها، وأخرى حزنًا على عائلته التي هدم الاحتلال منزلها، كما هدم منزله الخاص شرق المخيم.
وقبل موعد الإفراج، بحسب المحرر، أبلغه الضابط الإسرائيلي بأنه "لا يوجد لديه مكان للعودة إليه"، وهو أمر كذبه "أحمد" لتعمد الاحتلال التنغيص على الأسرى المحررين.
ويضيف: "الحرية غالية.. لكن الاحتلال دمر غزة وقتل فرحة الأسرى وعوائلهم"، مشيدًا في الوقت ذاته بصمود أهل غزة ومقاومتها التي فرضت شروطها على الاحتلال وأجهزته الأمنية.
ونال 183 أسيرًا حريتهم، السبت الماضي، ضمن الدفعة الرابعة من المرحلة الأولى لصفقة تبادل الأسرى في غزة.
وبموجب الاتفاق بين المقاومة والاحتلال، أفرج الأخير عن 18 أسيرًا من ذوي الأحكام المؤبدة، و54 من ذوي الأحكام العالية، و111 اعتُقلوا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتوزع الأسرى بين 39 من قطاع غزة و32 من الضفة الغربية، فيما أُبعد 7 إلى مصر ضمن شروط الصفقة التي تخللها إطلاق كتائب القسام سراح 3 أسرى إسرائيليين.
ولا يستطيع والد المحرر محمد أبو جلال (70 عامًا) كتم دموعه؛ حزنًا على هدم الاحتلال منزل عائلته والمنزل الخاص بنجله المحرر، رغم "فرحته الواسعة" برؤيته محررًا.
ويقول: "كنت أتمنى استقباله في منزل العائلة.. ذاك المنزل الجميل.. لكن قدر الله نافذ".
ويقدّر الحاج ثمن منزله بنحو (200 ألف دولار) وثمن منزل نجله بنحو (70 ألف دينار)، وهما الآن أصبحا ركامًا ليزيدا من وجع العائلة النازحة داخل مدرسة "أونروا"، والتي تمنت دائمًا استقبال نجلها "بموكب استقبال، ومنزلًا فخمًا".
ويضيف: "لا يمكن أن أصف أو أعبر عن شعوري وفرحتي بخروجه من السجن!"، منوهًا إلى أن رؤيته كانت "أمنية" و"دعاءً ملحًا" لله تعالى عز وجل.
وبعد رؤيته، "انصدم" الوالد من الحالة الصحية وملامح نجله التي غيرتها "ظروف السجن" و"قسوة السجان" الإسرائيلي.
وعلى أي حال، يعتزم الوالد البحث حاليًا عن شقة سكنية للإيجار وتجهيزها لنجله المحرر وعقد مراسم زواجه.
وقبل ثلاثة أعوام، عقدت العائلة قران "أحمد" على ابنة عمه، وكل ما يتمناه والده أن "يعيش حياة سعيدة" تليق بتضحياته ومعاناته طوال السنوات الماضية.
وبحسب مؤسسات حقوقية فلسطينية، فإن سلطات الاحتلال شنت حربًا همجية على الأسرى منذ اليوم الأول لـ"حرب الإبادة الجماعية" في غزة.
ووثقت المؤسسات وقوع جرائم تعذيب وتنكيل وتجويع واكتظاظ وإهمال طبي خلال 15 شهرًا، الأمر الذي أسفر عن استشهاد أكثر من 54 أسيرًا.

