يمعن محمد حسين النظر إلى صور صديقه أحمد المصري، الثلاثيني الذي استشهد عند الساعة الثانية بعد منتصف ليل 24 يوليو الماضي، محتفظًا بها في هاتفه الشخصي.
تثير تلك الصور في نفسه الكثير من الذكريات المؤلمة، ولا سيما المكالمة الأخيرة التي جمعتهما، حيث تحدث الشهيد "أحمد" عن أمله في أن تأتي لحظة استشهاده.
يقول "حسين" إن صديقه المصري كان على موعد مع الشهادة، بعد أن ضاقت الحياة بسكان غزة بفعل الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع، والتي امتدت 471 يومًا، ذاق خلالها السكان ويلات الخوف، والتجويع، والنزوح.
تهجير واشتياق
يستذكر حسين كيف قرر "المصري" في وقت مبكر نقل عائلته إلى جنوب القطاع، بعدما انهالت الصواريخ على كل أحياء المدينة، معتقدًا أنه بذلك يحمي زوجته وأطفاله الثلاثة من القصف. لكنه لم يكن يعلم أن غزة بأكملها كانت في دائرة الاستهداف.
ويضيف: "كان حلم أحمد أن تنتهي الحرب ليعود ويحتضن أبناءه، لكن القدر كان أسرع من أمانيه، فقد فارق الحياة قبل أن يحقق حلمه في لمّ شمل أسرته".
نزح "المصري" إلى منزل شقيقته بعد تدمير منزله في حي الزيتون بمدينة غزة، وعاش فيه عدة أشهر متمنيًا انتهاء الحرب ليعود إلى حياته الطبيعية، إلا أن طائرات F-16 الإسرائيلية استهدفت المنزل الذي كان يقيم فيه، ليفارق الحياة مع عدد من سكان المنزل.
ذكريات باقية
يروي "حسين" أن تلك اللحظة المأساوية كانت نهاية رحلة صديقه أحمد، الذي ترك خلفه الكثير من الذكريات الطيبة والأعمال الصالحة التي قام بها طوال حياته.
ويشير إلى أن "المصري" كان دائمًا يؤكد أن المقاومة ستنتصر في نهاية المطاف، رغم امتلاك جيش الاحتلال وسائل قتالية وتكنولوجية متطورة، مشددًا على أن صمود الفلسطينيين ورفضهم التهجير سيظل الحاجز الأكبر أمام مخططات الاحتلال.
ورغم الدمار والمجاعة التي شهدتها غزة طوال أيام الحرب، كان "أحمد" يرفض نداءات زوجته بالانتقال إلى الجنوب، مصرًّا على البقاء في المدينة.
دَين الوفاء
اليوم، يقف محمد حسين أمام منزل صديقه الراحل، محاولًا أن يكون عونًا لأبناء أحمد الأربعة، الذين يواجهون معاناة فقدان والدهم في ظل الأوضاع الصعبة.
ويتذكر "حسين" كيف كان "أحمد" شخصية محبوبة، لا يتوانى عن تقديم المساعدة لكل من يحتاجها، حتى أصبح معروفًا بطيبته وأخلاقه العالية، ما جعله محبوبًا من الجميع.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، دخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، ومن المقرر أن تستمر مرحلته الأولى 42 يومًا، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر، وبدعم من الولايات المتحدة.

