أكد نائب رئيس الدائرة الإعلامية في حركة "أنصار الله" اليمنية، نصر الدين عامر، أن المقاومة الفلسطينية حققت انتصارًا تاريخيًا في "طوفان الأقصى"، رغم الدمار والتضحيات الجسيمة، مشددًا على أن العدو الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه، وأن المقاومة تواصل التنسيق لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، مع استعدادها للعودة للمواجهة إذا تراجع الاحتلال عن التزاماته.
وقال عامر في حوار مع "فلسطين أون لاين": "صحيح أن غزة تعرضت للدمار وقدمت آلاف الشهداء، لكن الجهاد والتحرير يتطلبان تضحيات وصبراً، ولولا ذلك لما كان يمكن أن يحقق أي أحد النصر، والعبرة هي بتحقيق الأهداف، وقد فشل العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه، سواء المعلنة وغير المعلنة".
المعركة القادمة
وشدد على أن "أنصار الله" تقف دائماً إلى جانب المقاومة الفلسطينية وتؤيدها وتساندها، فهي من تفاوض وهي صاحبة ميدان الاشتباك الأول في غزة، وموقفنا ثابت إلى جانبها، ونحن ندرك تماماً أن هذه الجولة من المفاوضات كانت شرسة ولا تختلف عن بقية ميادين الصراع، وأنجز فيها المفاوض الفلسطيني المقاوم إنجازاً مهماً يصل إلى درجة ما أنجز أيضا في بقية ميادين المواجهة".
وأوضح أن حركة أنصار الله "تعاملت بإيجابية مع وقف إطلاق النار بغزة، وأوقفت عملياتها التي كانت جزءًا من معركة الإسناد، كما علقت عملياتها البحرية، باستثناء السفن الإسرائيلية المملوكة بالكامل للكيان الصهيوني أو التي تحمل علمه، وذلك حتى يتم تنفيذ بنود الاتفاق بشكل كامل".
وأضاف أن الحركة ستستمر في التنسيق مع المقاومة الفلسطينية في مراقبة ورصد مراحل تنفيذ الاتفاق، "وهي على جاهزية حال تنصل من أي بند من بنوده، للعودة للميدان بكل ثبات وقوة، ولن تتردد في اتخاذ أي خطوات ضرورية من أجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني ولو كان ذلك اليوم".
وفي إطار الدعم المستمر للشعب الفلسطيني ومعركته ضد الاحتلال الإسرائيلي، أوضح عامر أن الحركة "أعدت العدة قبل هذه الجولة، ولم يأتي نداء المقاومة الفلسطينية بالدخول إلى المعركة إلا وكان لدينا أسلحة أعددناها خصيصا لمثل هذه المعركة، ولم نغرق وننشغل في معركتنا في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي الاماراتي على اليمن، والتي خضناها دفاعا عن أنفسنا وعن بلدنا وتمسكاً بموقفنا المناهض لأمريكا و(إسرائيل)، ولكن حتى في خضم هذه المعركة التي استمرت ما يقارب التسعة أعوام، إلا أننا كنا نعد العدة لقضيتنا المركزية فلسطين".
وأضاف: "نحن الآن نستعد للمعركة القادمة؛ لأننا نرى أن هذه مجرد جولة، وأن الصراع سيظل قائم حتى تحرير فلسطين بالكامل، وهذا وعد الله، وفلسطين لن تتحرر بالكلام والشكليات فقط وإنما على أيدي المؤمنين الذين يعدون ويستعدون ويجاهدون في سبيل الله، ويقومون بهذه المسؤولية".
كما أشار إلى أن خطتهم المستقبلية تركز على الاستعداد لأي تصعيد أو رد فعل من العدو الصهيوني، الذي يُتوقع أن يسعى للانتقام من اليمن بسبب مواقفها المشرفة. وقال: "نحن مستعدون، متوكلون على الله، وواثقون بوعده بالنصر".
إغراءات وتهديدات
وفي إطار الحديث عن تأثير دخول اليمن في المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي، قال عامر: "إن دخول اليمن في المعركة فتح أفاق جديدة أمام الشعوب؛ وخاصة عندما كان الجميع يظن أن اليمن لا تستطيع فعل شيء بسبب ما عانته من حرب دمرت البلاد، فاجأت العالم، والصديق قبل العدو".
وأوضح أن هذا التحول لم يكن مجرد موقف عسكري، بل رسالة ذات أبعاد أوسع، فموقف اليمن، الذي اتسم بالثبات والعزيمة رغم كل التحديات، أصبح حجة على الجميع، وأعطي أمل للشعوب والدول في المنطقة بأنهم يستطيعون إذا ما امتلكوا الإرادة والعزيمة مشددًا على أن هذا النموذج ملهم ويجب البناء عليه، ويجب أن يكون هناك تحركات ونماذج مماثلة، في بقية منطقتنا حتى البعيدة من فلسطين.
في ردّه على أسئلة بشأن الضغوط الدولية والصفقات الغربية لوقف دعم المقاومة في غزة، كشف القيادي في أنصار الله، عن تفاصيل صفقات عرضت عليهم منذ بداية المعركة. وقال: "منذ اليوم الأول، حتى قبل أن نبدأ المعركة، كانت هناك إغراءات وتهديدات. الأمريكيون أرسلوا لنا عبر وسطاء رسالة تفيد بأنه لا ينبغي لنا التدخل، وأبلغونا أن هذه الرسالة تم إرسالها لجميع العواصم العربية، لكن كان ردنا واضحًا بأننا لن نتلقى التوجيهات من أمريكا، وسنتدخل في المعركة".
وأشار عامر إلى أنه بعد رفضهم لهذا التهديد، تزايدت الضغوط مع عرض اتفاقات تجارية وإنسانية مع السعودية. وأضاف: "تم عرض اتفاق خارطة الطريق بيننا وبين السعودية لإيقاف العدوان علينا وتوقيع اتفاق اقتصادي وإنساني يشمل صرف مرتبات موظفي الدولة المتوقفة منذ سنوات بسبب نقل البنك المركزي إلى عدن، بالإضافة إلى دفع التعويضات وجبر الضرر وغيرها من الاستحقاقات التي تم مساومتنا عليها مقابل موقفنا المساند لغزة ورفضنا مساومتنا على هذه الحقوق المشروعة بموقفنا من غزة وقد أوقفوا كل ذلك فعلاً ونحن في المقابل صبرنا وواصلنا إسناد غزة".
وتابع: "كثيرة هي العروض التي كانت تقدم وفي المقابل كثير من التهديدات باعتبار أننا نتعرض لحصار اقتصادي، وسياسي ودبلوماسي؛ ولكن كنا نرد عليهم عبر وسطاء بأننا لن نترك غزة وسنستمر في المعركة مهما كانت الأخطار والتحديات والتضحيات، وأحيانا أخرى كنا نتجنب الرد عليهم ونجيب في الميدان بالصواريخ والمسيرات وبالعمليات العسكرية".
وشدد على أن هذه الحالة استمرت إلى آخر لحظات الإسناد اليمني، حيث تعرضنا لضغوط مباشرة أو عبر وسطاء أو حتى عبر أصدقاء، ومع ذلك، أكد أن موقفهم من غزة كان ثابتًا وقويًا، ويرفض أي شكل من أشكال التفاوض أو التخفيف من دعمهم للمقاومة الفلسطينية.
مخطط صهيوني
وفي تعليقه على تهديدات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن تغيير وجه الشرق الأوسط، وصف عامر هذه التهديدات بأنها جزء من "مخطط صهيوني قديم" يهدف إلى تحقيق ما يسمى بـ "إسرائيل الكبرى"، وهي خطة تستهدف كل دول المنطقة.
وقال: "نتنياهو يسعى إلى تحييد جميع جبهات المقاومة وتدميرها، وإذا ما تخلص من جبهات المقاومة ومن القوى الحية في الأمة، فإن طريقه سيكون مفتوحًا لمهاجمة باقي الدول والأنظمة، ولولا أنه يرى أن هناك عقبة ما زالت تواجهه وتعيق طريقه ومشروعه، لتحرك مباشرة لاستهداف بقية الدول حتى تلك التي تعقد اتفاقات تطبيع مع الاحتلال".
وأكد أن هذه التهديدات لن تتحقق، مشيرًا إلى فشل الاحتلال الإسرائيلي في غزة، التي هي الميدان الأول في هذه المعركة رغم محاصرتها وتدميرها، قائلًا: "لو أنه كان بإمكانه أن يحقق نصراً لكان الأولى أن يحققه في غزة، ولكنه أيضا فشل وهذا يدل على أنه فشل أيضاً في كل الجبهات".
وأضاف: "نحن، نقف ضد أي مخطط إسرائيلي يهدد منطقتنا ومقدساتنا، فالصهاينة لا يقتصرون على القدس فقط، بل يريدون أيضاً أن يصلوا باحتلالهم إلى مكة والمدينة. نحن مستمرون في مقاومة هذا المشروع الصهيوني بكل صلابة، وسنواصل جهادنا حتى ننتصر بإذن الله".
عدوان جديد
وفي تعليق على استمرار الحرب على غزة واحتمالية انتقالها إلى جبهات أخرى، أكد عامر أن المعركة الحالية هي "جولة من الجولات" وليست نهاية الصراع، موضحًا أن العدو الإسرائيلي سيماطل في تنفيذ الاتفاقات المتعلقة بغزة، كما أشار إلى رغبته في الانتقال إلى جبهات أخرى.
وقال: "العدو ليس في أحسن أحواله، فهو منهك وتعرض لضربات واستنزاف لم يتعرض له في تاريخ وجوده غير الشرعي في فلسطين، حيث كانت الصواريخ تصله من كل مكان والجبهات كانت تفتح عليه من كل مكان وهذا كان مزعج له جدا وأضر به وبموقعه في المنطقة وقال إنه يواجه تهديد وجودي".
وأضاف: "لدينا مؤشرات على أن (إسرائيل) وأمريكا قد يتجهان لشن عدوان جديد على اليمن، أو يحاولان توريط دول أخرى في المنطقة للقيام بذلك. ولكننا في حركة أنصار الله مستعدون للمواجهة في كل الأحوال، وسوف نواصل دعمنا لغزة إذا عادت الحرب، ولن نتردد في مواجهة أي عدوان".
وأكد أن حركة أنصار الله لا تندم على موقفها من غزة، بل تعتبره "فخرًا وشرفًا وتطمح للقيام بما هو أكثر وأعظم"، مشيرًا إلى أن الاستعدادات مستمرة للجولات القادمة من المعركة، "ونحن نؤمن بأننا على الحق وأنهم على باطل، وسنستمر في الجهاد حتى النصر بإذن الله".
وفي حديثه عن الفاتورة التي دفعها الشعب اليمني في دعمه للقضية الفلسطينية، قال عامر إن اليمن قدم شهداء وهذا "محط افتخار". وأضاف أن الضربات الإسرائيلية استهدفت أعيان مدنية ألحقت بها أضرار مثل، مثل ميناء الحديدة وميناء رأس عيسى، بالإضافة إلى محطات الكهرباء، ولكنها لم تنجح في التأثير على الأهداف الحساسة.
وأوضح أن الموانئ المتضررة تم تأهيلها وإعادة تشغيل محطات الكهرباء بفضل الجهود الكبيرة من أبناء الشعب اليمني، قائلًا: "رغم المحاولات الفاشلة لاستهداف أهداف حساسة، ظلت عمليتنا العسكرية على الزخم نفسه واستمرت في التصاعد حتى آخر لحظة".
وفي ردٍ على تهديدات (إسرائيل) بتنفيذ عمليات دقيقة ضد قيادات حركة أنصار الله، أكد أن "أنصار الله" تأخذ أي تهديدات من الأعداء على محمل الجد، مضيفًا: "لكن لا يوجد لدينا خوف من الشهادة في سبيل الله، فهي أمنية كل مجاهد، فكل مجاهد يتوقع أن يستشهد في سبيل الله في أي لحظة".
وأشار إلى أن الحركة تضع جميع الاحتمالات والسيناريوهات في حساباتها، وتستعد على أعلى مستوى لمواجهة أي تصعيد، "وسنظل شوكة في حلوق الأعداء، ولدينا تجربة كبيرة بأنه كلما تم استهدافنا من قبل العدو كلما أصبحنا أقوى وسنصبح أيضا بشكل أقوى بالتوكل على الله واعتمادنا عليه".
الاستراتيجية المطلوبة
وفي إطار حديثه عن مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التحديات الحالية، بما في ذلك وصول دونالد ترامب إلى الحكم، أكد عامر أن موقف الولايات المتحدة تجاه المنطقة سيظل ثابتًا، "سواء وصل ترامب أو غيره إلى سدة الحكم، فالأمريكي ينظر إلى دول المنطقة من خلال العين الإسرائيلية، ويرى المنطقة من منظور الإسرائيلي".
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي سيظل يهدد ما تبقى من فلسطين ويهدد أيضًا دول المنطقة بالكامل، سواء بما يراكمه من قوة في فلسطين المحتلة أو من خلال الدعم الأمريكي المستمر؛ إلى التحرير والخلاص منه.
ورغم هذه التحديات، أضاف عامر أن مستقبل القضية الفلسطينية بعد "طوفان الأقصى" سيكون أفضل؛ "لأنها كانت تتجه إلى التصفية والتهميش والتطبيع وغيرها، لكنها الآن عادت إلى الصدارة، فالشعوب عادت إلى وعيها وتمسكت أكثر بالقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أن هناك أيضا انتصارات تحققت، وجبهات اشتعلت، وقوى ظهرت وساندت".
وأكد أن الاستراتيجية المطلوبة في هذه المرحلة هي استعادة الروح الجهادية للأمة. وأضاف: "يجب أن نتحرك على أساس هذه الانتصارات ونضاعف الجهود، وأن تستلهم الأمة روح القرآن، وتتحلى بالوحدة والعزة، وأن تعمل وفق توجيهات القرآن في الإعداد لمواجهة الأعداء، وأن تسير في مسار جهادي حتى تحرير فلسطين".
وأكمل حديثه: إن "الأحداث الأخيرة والسنوات الماضية والسنين الغابرة والتطورات أثبتت بما لا يدع مجال للشك بأنه لا خيار لهذه الأمة ولا سبيل لها لأن تستعيد أرضها، وأن تنتصر إلا بالعودة إلى هذا الدين، وأن تحمله وأن تجاهد في سبيل الله".

