فلسطين أون لاين

إرث المقاومة: صمود يتجذَّر رغم التَّضحيات

على مدار أكثر من 500 يوم من القتال الشرس في معركة “طوفان الأقصى”، أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها ليست مجرد قوة عسكرية، بل نهج متجذر في وجدان الشعب الفلسطيني. رغم المجازر والدمار والحصار، ظلت غزة عصيّة على الكسر، واستمرت المقاومة في توجيه الضربات للاحتلال، مكبدة إياه خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ومثبتة أن الاحتلال لا يمكنه تحقيق انتصار حاسم أمام إرادة صلبة لا تلين.

منذ اللحظة الأولى، راهن الاحتلال على انهيار المقاومة من خلال استهداف بنيتها التحتية وقادتها السياسيين والعسكريين، إلا أن الأحداث أثبتت أن المقاومة ليست قائمة على أفراد، بل على منظومة متكاملة قادرة على التجدد والاستمرار. استشهد القادة، لكن النهج بقي راسخًا، وأصبحت تضحياتهم وقودًا يشعل روح النضال في نفوس الأجيال القادمة.

لم تكن هذه المعركة مجرد مواجهة عسكرية، بل اختبارًا حقيقيًا للصمود الفلسطيني في وجه واحدة من أشد الحروب همجيةً. ارتكب الاحتلال مجازر غير مسبوقة بحق المدنيين، استهدف المستشفيات والمدارس والملاجئ، وفرض حصارًا خانقًا لقتل الحياة في غزة، لكن رغم ذلك، لم يتحقق له ما أراد. فبدلًا من أن تضعف المقاومة، ازدادت قوةً وتنظيمًا، وأدارت معركتها بذكاء، مستفيدة من كل إمكانياتها لتوجيه ضربات دقيقة أربكت حسابات العدو وأطالت أمد استنزافه.

وفي الوقت الذي قدمت فيه المقاومة صورة مشرفة عن أخلاقيات الحرب، خاصة في تعاملها مع الأسرى، كشف الاحتلال وجهه الحقيقي عبر ممارساته الوحشية بحق الأسرى الفلسطينيين، من تعذيب وإذلال حتى في لحظات الإفراج عنهم. هذه المفارقة عززت مكانة المقاومة أخلاقيًا وإنسانيًا، وأظهرت للعالم الفرق بين مقاتلين يدافعون عن أرضهم، واحتلال يمارس القتل والدمار بلا أي رادع.

بعد أكثر من 500 يوم من القتال، بات واضحًا أن المقاومة ليست مجرد مرحلة، بل مسيرة مستمرة تتجدد عبر الأجيال. قد يستشهد القادة، وقد تُدمر المدن، لكن إرث المقاومة يبقى، متجذرًا في قلوب الفلسطينيين، يدفعهم نحو مزيد من الصمود حتى تحقيق الحرية. هذه الحرب، رغم قسوتها، أكدت أن الاحتلال قد يمتلك القوة العسكرية، لكنه لا يمتلك القدرة على هزيمة شعب قرر أن يعيش بكرامة أو يستشهد في سبيلها. إرث المقاومة لا يموت، بل يزداد صلابةً مع كل جولة مواجهة.