فلسطين أون لاين

تقرير احتفال وسط الرُّكام... مشهد استثنائيّ لتسليم الأسرى في غزَّة

...
احتفال وسط الرُّكام... مشهد استثنائيّ لتسليم الأسرى في غزَّة
خان يونس/ محمد سليمان.

منذ ساعات الصباح الأولى، توجهت عائلة عويضة من حي الشيخ ناصر، شرق مدينة خان يونس، إلى شارع "5"، حيث منزل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، المكان الذي حددته المقاومة الفلسطينية لتسليم أسرى الاحتلال الإسرائيلي.

لم تكن عائلة عويضة وحدها؛ فقد انضمت إليها آلاف العائلات التي احتشدت في شوارع خان يونس، المدينة التي اعتادت على الدمار والدماء خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا اليوم كان مختلفًا، إذ اجتمع الناس لمشاهدة لحظة تاريخية تتجلى فيها قوة المقاومة وهي تسلم الأسرى، في مشهد عكس سيادتها على الأرض.

بين الحشود التي انتظرت وصول موكب المقاومة برفقة أسرى الاحتلال، تصاعدت الزغاريد من بين الشوارع المدمرة، وتعالت الهتافات التي امتزجت بالتكبيرات القادمة من المآذن، وكان المشهد أشبه بانتصار صغير وسط حرب طويلة، لكنه كان كافيًا ليعيد الأمل إلى القلوب التي عاشت شهورًا من الألم.

وقف محمد عويضة، وهو يحمل علم فلسطين بالقرب من منزل السنوار، يلوح به كما لو كان يلوح بروحه، وكانت دموعه تختلط بصوته وهو يهتف للمقاومة ولقادتها بكل فخر.

يقول محمد لـ"فلسطين أون لاين" بحماسة: "هذا يوم عز وانتصار، أن نرى رجال المقاومة الفلسطينية وجنودها يرتدون لباسهم العسكري، يحملون أسلحتهم، ويسيطرون على المشهد بالكامل، بينما ينظمون الحشود بإحكام".

ويضيف: "حين وصلت مركبات المقاومة، شعرت بفرحة لم تدخل قلبي منذ أكثر من عام ونصف، ولم أتمالك نفسي، فبدأت بالتكبير والتلويح لمن في المركبات من المقاومين، وهتفت لهم بشعارات خرجت من أعماق قلبي".

يؤكد محمد أن ما حدث لم يكن مجرد صفقة تبادل أسرى، بل لحظة انتصار في معركة البقاء، وصفعة جديدة لحكومة الاحتلال التي زعمت أنها ستقضي على المقاومة.

وكانت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قد سلمت اليوم الخميس المجندة الإسرائيلية الأسيرة "آجام بيرغر"، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بالتزامن مع تسليم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، لأسير وأسيرة آخرين في خان يونس.

 

في هذا الحدث الرمزي، ظهر مقاومو كتائب القسام وهم يحملون أسلحة "تافور" الإسرائيلية التي اغتنموها خلال معركة طوفان الأقصى، كما رفعت الأعلام الفلسطينية في المكان، إلى جانب لافتة كبيرة تحمل شعارات الألوية العسكرية في جيش الاحتلال، مثل "الناحال"، و"كفير"، و"جفعاتي"، و"401"، في إشارة إلى الكتائب التي تلقت خسائر فادحة في معارك شمال غزة.

وسط الحشود المتدفقة في شارع "5"، كانت هالة أبو سليمان، تسير برفقة أطفالها قادمة من مخيم خان يونس، بعد أن قطعت مسافة ثلاثة كيلومترات سيرًا على الأقدام، فقط لرؤية لحظة تسليم الأسرى.

تقول هالة لمراسل "فلسطين أون لاين"، والفرحة تملئ وجهها: "دمر الاحتلال منزلنا، واستشهد زوجي في بداية الحرب، ولم نعرف طعم الفرح منذ سنة وثلاثة أشهر، لكن اليوم، هذه اللحظة أعادت لي شعورًا بأننا لم نخسر كل شيء، وأن دماء زوجي لم تذهب هدرًا."

وتضيف: "أجمل مشهد في حياتي كان رؤية مقاومة شعبنا وهي تمتلك القوة والسيطرة على الأرض، وتتحكم بكل تفاصيل الحدث، وخاصة أن اليوم لم نسمع صوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي كانت تقتلنا بصوتها قبل صواريخها. هذا المشهد وحده يكفي لنشعر أننا أصحاب السيادة الحقيقية."

لم يمنع المرض أو كبر السن أبو محمود حمدان، البالغ من العمر 63 عامًا، من الوصول إلى مكان الحدث. فقد أصر على الحضور برفقة أبنائه، الذين حملوه على كرسيه المتحرك حتى شارع "5".

يقول أبو محمود لـ"فلسطين أون لاين" بصوت متأثر: "أنا رجل كبير في السن، ورأيت الاحتلال يعيث فسادًا في أرضنا طوال حياتي، لكني لم أشاهد مثل هذا المشهد من قبل.. اليوم، شعرت بقيمة المقاومة، وقوتها، وقدرتها على إذلال هذا الجيش الذي قتلنا بلا رحمة."

ويضيف: "مشهد تسليم الأسرى، ورؤية ممثلي الصليب الأحمر يسيرون وفق تعليمات المقاومة، يعكس التنظيم العالي لهذه الفصائل، وقدرتها على إدارة العمليات حتى في أصعب الظروف."