فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير جمعة أبو سنيمة... محاولة لإنعاش الحياة بمنزله المدمِّر برفح

...
جمعة أبو سنيمة... محاولة لإنعاش الحياة بمنزله المدمِّر برفح
رفح/ يحيى اليعقوبي:

"المنازل التي آوتنا وهي قائمة لن نتركها وهي أنقاض"يملأ الغبار وجه وملابس الستيني جمعة أبو سنيمة، وهو يحتمي أسفل ظل جدار متبقي من منزله المدمر يحاول إشعال نار بإحراق بعض الأخشاب لإعداد شاي مُرّ بلا سكر لا يقل مرارة عن قسوة المشهد أمامه، وبجواره رفوف كتبه الناجية بينما تدمر منزله المكون من طبقة واحدة بالكامل ويقع إلى الشمال من دوار "النجمة" وسط محافظة رفح جنوب قطاع غزة، كان أبناؤه يحاولون بواسطة أدوات حفر بدائية إزالة الركام بمساحة غرفة للسكن فيها.

ورغم حالة الدمار الكبير بالمحافظة، لم تخلو المشاهد من محاولات المواطنين استصلاح أجزاء من منازلهم تمهيدًا للسكن خاصة المنازل التي تعرضت لأضرار جزئية أو أضرار بليغة، انهمك أصحابها كحال أبو سنيمة منذ بدء سريان وقف إطلاق النار برفع الحجارة بأيديهم في عمل شاقٍ ومضنٍ، يتحملون مشقته لأجل العيش في موطن النشأة وقرب تراب البيت وعلى أنقاضه.

لم يتوقف أبو سنيمة - منذ ثلاثة أيام من القدوم صباح كل يوم لمنزله ومغادرته مع ساعات المساء- عن رفع الركام بأدوات بدائية إلى أن جاء أبناؤه من أماكن نزوحهم المختلفة، أحدهم جاء من مركز الإيواء بمدينة دير البلح لمساعدة والده، وبعدما كان البيت يجمع شمل العائلة المكونة من 11 فردًا تفرّقوا نتيجة النزوح واجتياح الاحتلال لرفح في مايو/ أيار الماضي.

ارتباط متجذر

من جديد يحاول الأب إعادة الحياة للمكان الميّت، يؤكد على تجذره وارتباطه الروحي بمنزله، حتى لو بالعيش على أكوام من الحجارة والركام يجده أفضل وأكثر أمنًا من العيش بعيدًا عنه.

تعكس حالة أبو سنيمة مظهر الحياة الصعبة بالمدينة التي شلت فيها الحركة وانعدمت فيها الحياة فيما يبذل المواطنون وطواقم البلدية كل ما باستطاعتهم للتكيف مع الواقع المدمر والذي يبدو أكبر من قدرتهم على ذلك.

ارتشف شربة من الكأس محاولاً أخذ استراحة بعد ثلاثة أيام من العمل المتواصل لإعادة الحياة، تقفز أمامه في حديثه لصحيفة "فلسطين" اللحظة الأولى التي شاهد فيها منزله قائلا: "عندما جئت إلى هنا ورأيت المنزل بكيت بشدة، لأننا في حاجة ماسة إليه وفي وضع مأساوي جدًا. 60 عامًا من العمل حتى أنشئ البيت".

ويضيف بصوته المتعب بينما ينظر لأصغر أبنائه الذي يواصل رفع الحجارة: "ربما لم يتبق في عمرنا الكثير، لكن ابني بحاجة لمأوى وتعليم وزواج ومستقبل وهذه كلها باتت غير متوفرة الآن".

وبالرغم من العمل المتواصل لم تزد المساحة التي استطاع أبناؤه تنظيفها من الردم من مساحة غرفة، ستكون مكان خيمة سيصنعها أبو سنيمة من الأخشاب والشوادر لن تختلف تفاصيل الحياة عن تلك التي يعيشها في مكان الإيواء، لكن بالنسبة له فـ "الفرق كبير"، ينظر للركام ويقول مواسيًا نفسه: "هنا راحة نفسية، البيت هو أمان الإنسان ولا يوجد أمان سوى بيته، بالإيواء لا يوجد باب أو نافذة ولا تعرف الجيران المحيطين بكَ".

كتب ناجية

بينما هنا يعرف الجيران المعلم أبو سنيمة الذي أمضى 17 عاما في تخريج الأجيال، وبالرغم من تدمير بيته خفف عنه نجاة مكتبته الخاصة وإن كانت مليئة بالغبار بفعل القصف، في صوته نبرة ارتياح عن ذلك: "لكل كتاب قصة لحظة اقتنائه، وترك بداخلي أثر أو معلومة أو حكاية، كنت أعتقد أنها تعرضت للسرقة لكن كما ترى ظلت الأرفف على حالها لم تنقص كتابا واحدًا".

بعيون حسرة، ينظر لمكان غرفة نومه وملابسه المختلطة بين ركام البيت، يراجع ذكريات عمره وشقاء سنين العمر وبات ركامًا، قائلا: "هذا إجرام الاحتلال وهذا ما فعله بنا بأنه دمر حياتنا ومستقبلنا، ونحن سنحاول إعادة الحياة لأننا متشبثون ومتجذرون في أرضنا ومنازلنا ولن نتخلى عنها وإن كانت ركاما فالمنازل التي آوتنا وهي قائمة لن نتركها وهي أنقاض".

وحوّله ينشغل الجيران في محاولة استصلاح أجزاء من منازلهم فلا تسمع إلا أصوات ناجمة عن إزالة الركام والحجارة أو إلقائها من الأسطح والشقق الناجية من الدمار وتجميعها بأماكن معينة داخل الشوارع، فيما تقوم جرافات بلدية بفتح الطرقات، يراها أبو سنيمة مهمة صعبة وقاسية، لكنها أمر ضروري لبث الحياة بالمنطقة وتشجيع السكان والجيران على القدوم.

وما يعكر محاولات الرجل والجيران على إعادة الحياة هو استمرار استهداف الاحتلال للمواطنين فمنذ سريان وقف إطلاق النار استشهد في رفح 20 مواطنًا، ما يعطي شعورًا بعدم الأمان خاصة في المناطق المحاذية لتواجد آليات جيش الاحتلال التي تتواجد حاليا على طول طريق محور "فلادلفيا" وتتوغل بين الفينة والأخرى داخل أعماق بعض الأحياء وتصل لوسط رفح وتطلق نيرانها تجاه ما تبقى من منازل المواطنين.