فلسطين أون لاين

تقرير أصحاب منازل متعدِّدة هدمها الاحتلال... "فينيق غزَّة" ينطلق للحياة مجدَّدًا

...
أصحاب منازل متعدِّدة هدمها الاحتلال... "فينيق غزَّة" ينطلق للحياة مجدَّدًا
غزة/ محمد عمر:

لم تترك "حرب الإبادة الإسرائيلية" منشأة سكنية أو صحية أو تعليمية أو اقتصادية وغيرهما إلا وأتت عليه آلة الدمار والخراب طوال 471 يوما في أكثر الحروب دموية في العصر الحديث.

"حرب إبادة" لم تترك للفلسطيني سوى خيار واحد: الانتصار أو الموت أمام آلة القتل جوا وبرا وبحرا حتى أن الأمراض والأوبئة والجوع والبرد القارص نالت من الكبار والصغار داخل بقعة جغرافية صغيرة أطبق جيش الاحتلال حصاره العسكري عليها.

ولذلك، كان لا خيار آخر أمام الناج من "حرب الإبادة" أحمد صقر (35 عاما) إلا أن يعود للحياة مجددا كـ"طائر الفينيق" بعدما هدمت آلة الدمار الإسرائيلية منزل عائلته وشقق إخوانه المتباعدة.

يحاول صقر من مخيم النصيرات وسط القطاع، حاليا، استصلاح بعض الحجارة الاسمنتية لترميم غرفة سكنية متبقية من منزل العائلة، للم شملها مجددا، معلقا: "لا خيار أمامنا سوى العودة للحياة مجددا.. الحياة التي تفرض علينا متطلباتها بقسوة".

وفقد الشقيق الأكبر لأحمد شقته السكنية في إحدى "أبراج عين جالوت" جنوب مخيم النصيرات، يناير/ كانون ثان 2024م وهي إحدى "الصدمات"، بحسب وصفه، التي تلقتها العائلة في الحرب، لكن ذلك لم يكسرها لتحل "صدمة هدم أخرى".

وتمثلت الصدمة الأخرى بفقد الشقيق الأوسط، شقته السكنية في مارس/ آذار من ذات العام داخل أحد "أبراج الصالحي" خلال عملية عسكرية لجيش الاحتلال شمال النصيرات، ليجتمع الأولاد والأحفاد داخل منزل الجد والجدة.

ونظرا لخطوة الأوضاع الحياتية شمال مخيم النصيرات، اضطرت العائلة للنزوح قسرا من منزلها والتشتت بين الخيام ومنازل الأقارب – وهنا حصل الأمر الذي خشيته العائلة – وهدم جيش الاحتلال منزل العائلة التي لم يتبقى إليها منزلا صالحا للسكن.

وبعد وقف إطلاق النار في غزة، يحاول أحمد وأشقائه جاهدين ترميم غرفة سكنية ليجتمع فيها شمل العائلة الأولاد والبنات والأحفاد مجددا حول الجد والجدة، في خطوة أولية نحو "إعادة ترتيب الحياة" بحسب وصفه.

ولا يرغب الأشقاء الثلاثة في البحث عن خيارات أخرى سوى الصمود على أرض غزة، بعدما قتل الاحتلال 30 شهيدا من العائلة في عدة مجازر متباعدة، ولسان حالهم ينشد مع بناء كل طوبة: "جنة جنة جنة .. ترابك يا وطنا.. يا وطن يا حبيب يا أبو تراب الطيب .. والله نارك جنة".

"لا للاستسلام"

ولم يكن القصف الجوي الإسرائيلي لمنزل المواطن عادل الصوالحي، صيف 2024، المرة الأولى بل سبق ذلك أن قصف طيران الاحتلال منزله خلال الحرب الإسرائيلية على غزة صيف 2014م.

ورغم أن القصف الأخير لم ينل من الحجارة فحسب بل ارتقى نجليه وحفيديه شهداء في قصف متفاوت، وطال الدمار الإسرائيلي بيوت أشقائه وشقيقاته وأقربائه أيضا الأمر الذي فاقم من معاناتهم جميعا.

وليس هذا فحسب، بل عطل القصف الإسرائيلي تجارة الصوالحي الممتدة وسط القطاع منذ أكثر من عقدين من الزمان.

لكن ذلك، بحسب صاحب المنزل المهدم ووالد وجد الشهداء، جعل إصراره على "العودة للحياة" دافعا كبيرا للوقوف والصمود أمام "حرب الإبادة".

واستطاع الأب لاحقا، ترتيب مكان نزوح عائلته عند الأقارب كما بدأ بإعادة تجارته من منطلق "هذا وطنا.. ولا خيار أمامنا سوى أن نكمل مشوار الحياة" والبناء والتعمير.

ويقول: "واهم إن ظن الاحتلال أنه سيكسرنا.. نحن أصحاب الحق والأرض ولن نضعف ولن نستسلم"، داعيا أهالي غزة لرفع الروح والمعنويات والتكاتف بينهما؛ لإفشال مخططات الاحتلال "غير العسكرية".

ويضيف: "لقد انتصرت غزة ببطولة مقاوميها وصمود سكانها"، مشددا على أن غزة بحاجة إلى الكثير من أبناءها لإعادة إعمارها وإحياءها لتعود كسابق عهدها بل وأجمل.

ويدعو صاحب المنزل والمنشأة الاقتصادية المهدمتان أبناء شعبنا إلى استعادة قواهم واستعادة حياتهم داخل وطنهم بحرية وعزة وكرامة.

"فداء الوطن"

وبجانب أنقاض منزل عائلته المدمرة، يقيم عبد الناصر العصار داخل خيمة قماشية مسقوفة بألواح الصفيح من بقايا الركام المدمر.

ولجأ عبد الناصر (40 عاما) لخطوته الأخيرة بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار، كخطوة اضطرارية لمواصلة الحياة على أرض غزة.

ويقول: "هذه الأرض (غزة) المباركة التي جبلت بدماء الشهداء وتضحيات الناس العظماء تبعث فينا الأمل دوما بأننا نصنع تاريخا ومجدا وعزا".

وفقد عبد الناصر خلال "حرب الإبادة" 12 شهيدا من أشقائه وزوجاتهم وأبناءهم بالإضافة إلى منازلهم داخل بنايتهم التي تضم 6 شقق سكنية، ويضيف: "كله ذهب فداء للوطن".

وخلال حديثه الذي يستطرد فيه معاناة العائلة بين الفقد والنزوح والمستشفيات، إلا أنه يؤكد أنه: "لا تحرير دون دماء .. ولا وطن دون ضريبة وفداء"، آملا أن يستكمل شعبنا قريبا معركة التحرير للأرض والمقدسات.

ويعبر صاحب المنزل المهدم وشقيق الشهداء عن فخره بأهل غزة الذين تعالوا على جراحهم، وبدأ الكثير منهم العودة لمنازلهم وأحياءهم السكنية التي هجروا منها قسرا عبر استصلاح "ما أمكن" أو الإقامة قرب المنزل المهدم وحتى "بعض مظاهر الحياة الاقتصادية" التي بدأت تعود يوما بعد آخر.