قائمة الموقع

بيت حانون.. من الماضي العريق إلى الحاضر المُقاوم

2025-01-27T10:55:00+02:00
بيت حانون.. من الماضي العريق إلى الحاضر المُقاوم 
فلسطين أون لاين

بعد أكثر من 15 شهرًا من حرب الإبادة الجماعية، بقيت المقاومة بقيادة كتائب القسام حاضرة وباسلة في مدينة بيت حانون بوابة قطاع غزة الشمالية، لتصفع المحتل بعدة صفعات متتالية، وكمائن موت أذاقته العلقم، وأجبرته على الاندحار يجر أذيال الخيبة. 

وبيت حانون هي أولى مدن القطاع التي توغلت فيها قوات الاحتلال بداية الحرب على غزة، وشهدت أشرس وأعنف المعارك، ولجأ الاحتلال إلى تدميرها بالكامل تقريبًا ليتفاجأ كل مرة بخروج المقاومين من بين الأنقاض ليذوقوه بأس رجال فلسطين. 

البلدة الصغيرة الوادعة تركت بصمتها على مجرى الأحداث العسكرية والسياسية في قطاع غزة. وعمليات المقاومة النوعية التي نفذتها كتائب القسام في المدينة، والتي تضمنت تدمير آليات عسكرية وقتل 15 ضابطًا وجنديًّا من جيش الاحتلال في الأيام الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، دفعت الاحتلال إلى إعادة حساباته الإستراتيجية. 

وجاء ظهور قائد كتيبة بيت حانون في كتائب القسام، حسين فياض، في الأيام الأولى لوقف إطلاق النار، كرسالة تعكس ثبات المقاومة واستعدادها لأي تصعيد جديد. هذه العمليات غيرت ميزان المواجهة، وأجبرت الاحتلال على الدخول في مفاوضات وقف إطلاق نار تحت شروط المقاومة. 

الموقع والطبيعة الجغرافية 

تقع بيت حانون في أقصى شمال شرق قطاع غزة، وتتميز بطبيعتها السهلية التي تضم العديد من الوديان والأراضي الزراعية الخصبة. تبلغ مساحة أراضيها 17603 دونمات، منها 12100 دونم ضمن نفوذ بلدية بيت حانون، و5000 دونم مناطق حدودية، و503 دونمات مخصصة للطرق والوديان. يمر عبر المدينة خط سكة حديد كان يربط جنوب فلسطين ببيروت ودمشق وإسطنبول وبغداد والقاهرة.  

يشير د. محمد المصري الباحث في مركز التاريخ الشفوي في الجامعة الإسلامية، في حديث لـ"فلسطين أون لاين" أن بيت حانون قرية قديمة تحمل اسمًا مثيرًا للجدل، يُعتقد أن أصل التسمية يعود للملك الوثني حانون، الذي ورد ذكره في النصوص التاريخية كملك لغزة في القرن السابع قبل الميلاد. كانت بيت حانون مصيفًا له، وهو الرأي الأكثر قبولاً لأصل التسمية، شهدت المدينة معركة شهيرة عام 637 هـ/1240 م، حيث انتصر المسلمون بقيادة شمس الدين سنقر على الفرنجة. 

خلال نكبة عام 1948، تصدى سكان بيت حانون للعصابات الصهيونية، وارتقى الشهيد محمود عبد الفتاح المصري في دفاعه عن القرية. كما لعبت المدينة دورًا كبيرًا في الانتفاضتين الأولى والثانية، وشاركت بشكل واسع في التصدي للاجتياحات الإسرائيلية التي دمرت أجزاءً واسعة من بنيتها التحتية بين عامي 2002 و2006، وفق الباحث المصري. 

بيت حانون خلال الحروب الأخيرة 

عانت المدينة من اعتداءات إسرائيلية متكررة خلال حروب 2008-2009، 2012، 2014، و2021، ما أسفر عن سقوط آلاف الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية بالكامل.  

وفي معركة طوفان الأقصى عام 2023، لعبت بيت حانون دورًا بارزًا في عمليات المقاومة، فقد تمكنت من تنفيذ هجمات نوعية وإلحاق خسائر فادحة بجيش الاحتلال. تسببت الحرب في تهجير قسري لستين ألف مواطن، وتدمير كامل للمرافق العامة والخاصة. 

ويشير الباحث المصري إلى أن بيت حانون كانت حاضرة ولها بصماتها، فقد أغارت المقاومة في بيت حانون على المستوطنات في غلاف غزة، وأسرت عددًا من الجنود، واستمرت المقاومة في التصدي للتوغلات "الإسرائيلية" خلال حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة وأهالي بيت حانون، وسطر رجالتها أسمى آيات البطولة وضربوا مثلاً مشرفًا في الدفاع عن الأرض والعرض. 

ومع عودة الاحتلال للتوغل في المدينة أوائل يناير ٢٠٢٥، عاد مقاتلو بيت حانون إلى القتال والدفاع؛ وذلك من خلال ابتكار أساليب قتال جديدة مثل: الكمائن وبشهادات الإعلام العبري الذي أقر بخسائره الفادحة على يد المقاومة؛ ونتيجة هذه البسالة تم إفشال مخططات الاحتلال كافة، في مقدمتها خطة الجنرالات، والتي تهدف إلى تهجير السكان، كما فشل الاحتلال بالقضاء على المقاومة حيث أعلن مراراً أنه قضى على قائد المقاومة في بيت حانون حسين فياض، الذي ظهر مؤخراً في أول أيام وقف إطلاق النار ليثبت للاحتلال أن بيت حانون ومقاومتها بخير. 

العمليات النوعية  

خلال حرب الإبادة نفذت كتائب القسام سلسلة عمليات نوعية تضمنت قنص جنود، وتدمير آليات عسكرية، وإيقاع خسائر كبيرة بصفوف الاحتلال، وأظهرت المقاومة قدرة عالية على التخطيط والتنفيذ في بيئة جغرافية معقدة.  

وأكد خبراء عسكريون أن أساليب المقاومة المبتكرة، مثل الكمائن والهجمات المفاجئة، شكلت تحديًا كبيرًا لجيش الاحتلال. 
 
وقال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا: إن العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في بيت حانون تعد نوعية من حيث التخطيط والتنفيذ، وأكد أن توقيتها يحمل دلالات إستراتيجية مهمة.

وأوضح حنا في تحليل للمشهد العسكري في قطاع غزة أن هذه العمليات تُبرز قدرة المقاومة على إدارة معارك معقدة في بيئة جغرافية صعبة تحت سيطرة جيش الاحتلال. 

وأشار إلى أن بيت حانون شهدت معارك ضارية، وأن العمليات الأخيرة التي استهدفت جنود الاحتلال وأدت إلى مقتل وجرح العشرات منهم، تعكس تكتيكًا عسكريا دقيقًا يعتمد على استغلال نقاط الضعف في انتشار القوات الإسرائيلية. 

وارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجازر مروعة بحق عائلات بيت حانون، مثل عائلات شبات، المصري، الكفارنة، الزعانين، وغيرها، وفق الباحث المصري. كما أدى الحصار والدمار إلى ظروف إنسانية مأساوية، حيث يعيش المهجرون ظروفًا قاسية مع نقص حاد في الاحتياجات الأساسية. 

رغم التحديات الكبرى التي واجهتها مدينة بيت حانون، فإنها أثبتت عبر تاريخها الطويل أنها رمزًا للصمود والمقاومة. وبفضل شجاعة أهلها وابتكارات المقاومة، ستظل بيت حانون شاهدًا حيًّا على قدرة الشعب الفلسطيني على التحدي والدفاع عن أرضه وحقوقه.

اخبار ذات صلة