بالقرب من تلة النويري غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، نَصَبَ مُؤمن الهباش خيمته، استعدادًا للعودة إلى مسقط رأسه في مدينة غزة شمال القطاع مُشِيًا على الأقدام برفقة أطفاله الثلاثة وزوجته، لِيُنهي بذلك حياة النزوح التي استمرت عامًا وثلاثة أشهر في الجنوب.
على طُول الطريق المؤدي إلى مدينة غزة، ينتشر الركام والخراب الذي تركه جيش الاحتلال الإسرائيلي خلفه خلال أيام وشهور العدوان الطويلة على القطاع، وهو ما لم يمنع الهباش من اتخاذ قرار العودة مُشِيًا على الأقدام والتحرك حتى الوصول إلى أقرب نقطة يُمكن أن ينتقل منها بسيارة إلى منزله في حي التفاح شرق غزة.
بينما كنا ننتظر على الجانب الشمالي لمحور نتساريم، فتحت آليات الاحتلال الإسرائيلي النار على النازحين في شارع الرشيد أثناء انتظارهم السماح بالعودة إلى شمال قطاع غزة، وفقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار. pic.twitter.com/Eb3txKSrb5
— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) January 25, 2025
تَجَمَّعَ الهباش عند "تل النويري"، وهي آخر نقطة يمكن لسكان جنوب قطاع غزة الالتقاء قبل حاجز الرشيد برفقة موكب النازحين سيرًا على الأقدام. ساروا معًا، يحملون أطفالهم وحقائبهم المتهالكة على ظهورهم، بخطى مُثَقَّلةٍ ومليئة بالأمل، عَسَى أن يصلوا إلى شمال القطاع.
على وجه الهباش والعائدين إلى شمال قطاع غزة، سيطر التفاؤل والفرح بالعودة إلى منازلهم، رغم الدمار الذي خلَّفه العدوان الإسرائيلي.
تَجَاوَزَ الهباش والنازحون التحديات بالقرب من التلة الواقعة على الطريق الساحلي، بمجرد الإعلان عن إتمام عملية تبادل الأسرى بين كتائب الشهيد عز الدين القسام وسلطات الاحتلال، وتجمعوا هناك بالآلاف.
يقول الهباش لصحيفة "فلسطين": "أنا موجود منذ ليلة السبت عند تلة النويري، وقمت بتفكيك خيمتي في المواصي غرب خان يونس، وذهبت إلى النصيرات ليلًا، وَنِمْتُ تلك الليلة هنا استعدادًا للعودة إلى مدينة غزة".
ويضيف: "جَهَّزْتُ نفسي بالماء والتمر، ووضعت ملابسنا داخل حقائب صغيرة، وأعطيتُ كلَّ واحدٍ من أطفالي وزوجتي حقيبةً منها استعدادًا للعودة والمشي باتجاه الطريق الساحلي وصولًا إلى المدينة".
#فيديو | آلاف النازحين الغزيين يتجمعون في شارع الرشيد قرب محور نتساريم في انتظار السماح لهم بالعودة من جنوب القطاع إلى شماله. pic.twitter.com/xlBNs7LrA9
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) January 26, 2025
ويصف الهباش شعوره بأنه مزيجٌ من الفرحة والاشتياق لمدينة غزة التي غادرها قسرًا بسبب القصف المكثف لطائرات الاحتلال في أكتوبر 2023، مع بداية العدوان.
لا يدري الهباش ما حلَّ بمنزله في حي الدرج، لكنه مُستعدٌ ومتشوق للعودة إليه، حتى لو اضطر للسكن فوق أنقاضه عبر نصب خيمة جديدة لاستكمال الحياة.
وسط حشد آلاف النازحين، تترقب سلوى منصور أيضًا العودة إلى منزلها في حي النصر غرب مدينة غزة، لاحتضانه وإعادة ذكرياتها فيه، بعد أن تركته مُجبرةً إثر استشهاد ابنتها في أكتوبر 2023.
تقول منصور لصحيفة "فلسطين": "لم أكن أتخيل أن أعود إلى غزة وأعيش في منزلي بعد حياة الخيمة التي عشتها لأكثر من عام، ورأينا الموت كل يوم، وتَجَرَّعْنَا الجوعَ، ونال منا البرد".
وتضيف: "وصلنا إلى النصيرات فجر السبت بسيارة من منطقة المواصي، ومنذ الصباح ننتظر خبر العودة الذي طال انتظاره لإنهاء الحياة البائسة في الخيمة".
قررت منصور وعدد من النازحين عدم مغادرة "تل النويري" أو قضاء أي ساعة إضافية في الخيمة، والانتظار حتى يُفتح الطريق وينسحب جيش الاحتلال.
وأكَّد مدير مكتب الإعلام الحكومي سلام معروف أن مئات الآلاف من النازحين سيعودون من جنوب القطاع إلى محافظتي غزة والشمال اليوم الأحد، مشيرًا إلى تعاون الكوادر الحكومية مع المكونات المجتمعية لتحقيق التلاحم الوطني وتأكيدًا عمليًّا على إفشال مخططات التهجير القسري.

