عاد نازحون غزيون إلى مناطقهم السكنية بشكل جزئي مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي بدأ أمس، وسط حالة من الصدمة والذهول إزاء حجم الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية بعد إبادة جماعية استمرت 470 يومًا.
وتمكنت العائلات الفلسطينية من العودة إلى مدينة رفح (دون الاقتراب من محور فلادليفيا أو المناطق الشرقية للمدينة) بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي إثر عملية عسكرية استمرت 9 أشهر، وحولت المدينة الحدودية إلى "منطقة منكوبة".
كما عادت عائلات شمال القطاع التي نزحت إلى وسط مدينة غزة إلى منازلها في (جباليا، تل الزعتر، بيت لاهيا، بيت حانون) المدمرة، بعد عملية عسكرية أخيرة استمرت 3 أشهر وحولتها أيضًا إلى "منطقة منكوبة".
وتمكنت عائلات أخرى من العودة إلى مناطق متفرقة من القطاع، مثل مدينة خان يونس، مخيم المغازي، مخيم البريج، مخيم النصيرات، حي تل الهوا، حي الزيتون، وحي الشجاعية، وسط خروقات إسرائيلية تمثلت بإطلاق النار من طائرات "كوادكوبتر"، ما أسفر عن استشهاد عدد من المواطنين وإصابة آخرين.
وبالتزامن مع عودة المدنيين، انشغلت طواقم الدفاع المدني ووزارة الصحة في انتشال جثامين الشهداء المتحللة من المنازل والطرقات، بينما شرعت طواقم البلديات المحلية في فتح الطرقات وإزالة الركام من الميادين العامة.
وبحسب المرحلة الأولى للاتفاق الذي وقع برعاية مصرية وقطرية وأمريكية، سيتمكن النازحون من مدينة غزة وشمالها إلى جنوب القطاع من العودة بعد 7 أيام من الاتفاق (42 يومًا)، وهو الأمر الذي ينتظره مئات الآلاف من الغزيين الذين نزحوا مع بداية حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
"مشاهد كارثية"
مع بزوغ ساعات الفجر، استيقظت أسرة المواطن فتحي نوفل النازحة داخل خيمة في ملعب "اليرموك" برفقة عشرات العائلات النازحة داخله، استعدادًا للعودة إلى مخيم جباليا.
ورويدًا رويدًا، اقترب نوفل بصحبة مئات الأسر نحو الطريق الرئيسي المؤدي إلى مخيمه، الذي تعرض لثلاث عمليات عسكرية خلال حرب الإبادة، وحوله جيش الاحتلال أخيرًا إلى "كومة من الركام والدمار" بحسب وصفه.
واعتبر نوفل أن عودة عائلات شمال قطاع غزة ما كانت لتتم لولا صمود المقاومة وعملياتها البطولية والنوعية ضد جيش الاحتلال.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن المقاومة تمكنت من قتل أكثر من 50 ضابطًا وجنديًا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ضمن ما يعرف بـ"خطة الجنرالات"، التي حاول الاحتلال تنفيذها شمال القطاع دون توقع حجم المقاومة وكمائنها العسكرية المعدة مسبقًا لقواته.
وقال نوفل: "في النهاية، غزة لم تستسلم والمقاومة لم ترفع الراية البيضاء"، آخذًا عهدًا على نفسه بالعيش بين الركام حتى رحيله عن الدنيا.
وفي مخيم النصيرات وسط القطاع، عبر المواطن موسى الطويل (45 عامًا) عن صدمته من مشاهد الدمار التي لحقت بحيه السكني داخل "المخيم الجديد".
واعتبر عودته إلى المخيم "منقوصة" إثر الدمار الواسع وأعداد الشهداء الذين استشهدوا جراء عمليات جيش الاحتلال المتكررة في المخيم، الذي تعرض لقصف جوي ومدفعي وعمليات توغل عسكرية طوال 15 شهرًا من حرب الإبادة.
ويعتزم الأب لستة من الأبناء تنظيف غرفتين سكنيتين من منزله المدمر جزئيًا، تمهيدًا لعودة أسرته النازحة من بلدة الزوايدة وسط القطاع، قائلاً: "سننام الليلة داخل المنزل.. ولن نعود للخيمة".
وعبر الطويل، الذي فقد العشرات من أبناء عائلته شهداء، عن سعادته باتفاق وقف إطلاق النار، متمنيًا استكمال مراحله الثلاثة وعودة جميع النازحين إلى مناطقهم السكنية.
وفي جنوب القطاع، لم تسعف الكلمات المواطن أحمد العرقان في التعبير عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بمدينة رفح، التي تعرضت لعملية إسرائيلية استمرت 9 أشهر.
وذكر أن رفح أصبحت "منطقة منكوبة"، مدينة بلا منازل ولا طرقات ولا مدارس ولا مؤسسات ولا مستشفيات، بل "عبارة عن دمار وركام".
ورغم ذلك، أكد العرقان أن أسرته ستنقل خيمتها من "مواصي خان يونس" إلى حيه السكني "حي الشعوت" للعيش قرب منزل العائلة المدمر.
وقال: "سنبقى هنا.. ولن نرحل عن غزة.. وسنعيد بناؤها بسواعد أبناء الوطن".