فلسطين أون لاين

فلسطينيون يحتفلون باتِّفاق وقف إطلاق النَّار وسط ذكريات الألم والأمل بالعودة

...
فلسطينيون يحتفلون باتِّفاق وقف إطلاق النَّار وسط ذكريات الألم والأمل بالعودة 
دير البلح/ عبد الله يونس – محمد الأيوبي 

بابتسامة تجمع بين الفرح والحزن، استقبل فلسطينيون في قطاع غزة أنباء التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي يشمل إنهاء الحرب، والانسحاب من القطاع، وتبادل الأسرى، وعودة النازحين. 

ورغم الفرحة، لا تزال مشاهد الدمار وأصوات القصف حاضرة في الأذهان، مع استمرار مشاعر الحزن على من فقدوا أرواحهم ومنازلهم في الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "إبادة جماعية". 

 مشاعر مختلطة 

"سأعود إلى بيتي في بيت حانون وأقبل أرضه بمجرد أن أتمكن من ذلك"، تقول أم أحمد أبو وردة (46 عاماً)، وهي أرملة فقدت اثنين من أبنائها في قصف إسرائيلي دمر منزلها في ديسمبر 2023. 

وتضيف لـ "فلسطين أون لاين": "بيتي هو كل ما أملك في هذه الحياة، ورغم الجراح والخسائر، فإنني أشعر بالفرح لأنني سأتمكن من العودة إليه". 

وتتابع أم أحمد حديثها عن ذكرياتها المؤلمة قائلة: "هذه الحرب كانت الأسوأ. رأيت الموت بعيني وفقدت أحبائي، لكننا صمدنا وسنبني حياتنا من جديد". 

الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، أدت إلى استشهاد أكثر من 46,500 فلسطيني وإصابة مئات الآلاف. كما دمرت الهجمات الإسرائيلية البنية التحتية بشكل شبه كامل، واستهدفت المستشفيات والمدارس ومخيمات النزوح. 

وتشير معطيات حكومية إلى أن الحرب تسببت بخسائر مباشرة وصلت إلى 37 مليار دولار، مع نسبة دمار تصل إلى 86% من مساحة قطاع غزة. 

رغم هذا الواقع، يرى الفلسطينيون في وقف إطلاق النار فرصة لبدء حياة جديدة، رغم كل ما فقدوه. 

أمل العودة

 "لا أستطيع أن أصف مشاعري"، يقول الممرض علاء بشير (34 عاماً)، الذي يعمل في مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح. 
ويضيف لـ"فلسطين أون لاين": "لدي شعور بالفرحة ممزوج بالحزن. الفرح لأننا أخيراً سنحظى بفرصة لإعادة بناء حياتنا، لكنني لن أنسى زملائي وأصدقائي الذين استشهدوا". 

بشير، الذي فقد منزله أيضاً، يرى أن العودة إلى الحياة الطبيعية في غزة ستتطلب وقتاً طويلاً، لكنه يؤمن بأن الفلسطينيين يمتلكون إرادة قوية تمكنهم من الصمود. 

من جانبها، تقول هدى أبو رجب، معلمة تبلغ من العمر 50 عاماً: "فقدت أخي في هذه الحرب، وكانت لحظة صعبة جداً. لكن سماع خبر وقف إطلاق النار أعاد لي بعض الأمل". 

وتتابع أبو رجب، التي تعيش الآن في مخيم للنازحين وسط القطاع: "أعلم أن العودة إلى حياتنا السابقة لن تكون سهلة، ولكن على الأقل يمكننا أن نعيش دون خوف من القصف المستمر". 

وتضيف: "أدعو الله أن يكون وقف إطلاق النار بداية لمرحلة جديدة من السلام، وأن نتمكن من إعادة بناء منازلنا ومجتمعاتنا". 

بين الفرح والحزن 

رغم أجواء الفرح، لا يزال بعض الفلسطينيين يفكرون في مغادرة غزة، حيث يقول سامي عبد الرحمن (53 عاماً): "لقد عانينا كثيراً. خسرت منزلي وأموالي، ولا أستطيع تخيل العودة إلى حياتنا السابقة". 

ويضيف: "إذا فتحت الحدود، سأغادر مع عائلتي بحثاً عن حياة أفضل. لا أريد أن يكبر أطفالي وهم يعيشون في خوف ودمار". 

أما فاطمة حسن (45 عاماً)، التي تعيش مع أطفالها الثلاثة في خيمة على أطراف مدينة خان يونس، فتقول: "لا أريد مغادرة غزة. هنا وُلدنا، وهنا سنعيش مهما كانت الظروف". 

وتضيف بصوت متفائل: "رغم كل الألم، فإن غزة هي وطننا، وسنعيد بناء حياتنا مهما طال الزمن". 

نهاية المعاناة 

في خيام النزوح التي أصبحت مأوى لآلاف الأسر الغزية، تزينت الوجوه بابتسامات تحمل بين طياتها أحلام العودة والاستقرار ووقف شلال الدماء، بينما كانت الكلمات تعبّر عن الحنين إلى المنازل والمدارس والحياة الطبيعية التي توقفت منذ زمن. 

واستقبل ناصر دياب، النازح في خيمته بمواصي القرارة، جنوبي قطاع غزة، خبر وقف إطلاق النار بفرحة كبيرة، لكنه لا يخفي حجم الألم الذي خلفته الحرب من النزوح والمعاناة في توفير أبسط احتياجات الحياة. 

يقول دياب الذي نزح من منزله في مدينة غزة مع أبنائه الخمسة، بينهم ثلاثة متزوجون، وأسرهم لـ"فلسطين أون لاين" بحزن وحنين إلى منزله المدمر: "منذ وقت طويل ونحن ننتظر وقف إطلاق النار لنعود إلى منازلنا.. هذه اللحظة حملت لنا فرحة كبيرة، لكنها ممزوجة بالكثير من الحزن على ما فقدناه من أصدقاء وأحباب". 

ويأمل دياب الذي يعاني وأسرته من تحديات يومية صعبة، تتعلق بتوفير الطعام والماء في ظل الظروف المعيشية القاسية التي فرضها النزوح، بأن تسير عمليات إعادة الإعمار بسرعة ليتمكن هو وأسرته من العودة إلى حياتهم الطبيعية التي باتت حلمًا بعيد المنال. 

"فقدنا الكثير خلال الحرب، ومن الصعب أن نعود لحياتنا الطبيعية بعد كل هذه المعاناة والألم. لكن الأمل يبقى في أن يُعاد إعمار منازلنا المدمرة سريعًا، لنعيش بكرامة بعيدًا عن حياة الخيام والمآسي"، يضيف ناصر.

وتزين الابتسامة وجه الشاب محمد الهندي الذي يسكن في خيمة في منطقة مواصي خانيونس جنوبي القطاع، وهو يعبر عن مشاعره بعد سماع خبر وقف إطلاق النار، يقول: "الفرحة لا تسعني مع سماع هذا الخبر. أنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يبدأ فيها تنفيذ الاتفاق لأذهب مشيًا إلى منزلي في مدينة غزة. يكفي معاناة وألم، قلوبنا ما عادت تحتمل مزيدًا من الوجع". 

ويشير الهندي لـ"فلسطين أون لاين"، بحسرة إلى حجم الخسائر والمعاناة التي خلفتها الحرب: "فقدنا الكثير من الأصدقاء والجيران والأحباب. نريد أن يتوقف شلال الدم، وأن نعيش الفرح لأن كل المعاناة والألم قد انتهى". 

بداية جديدة 

وسط أجواء مليئة بالفرحة والأمل، تحاول السيدة آلاء محسن، أم لأربعة أطفال، أن تستوعب إعلان وقف إطلاق النار بعد معاناة طويلة عاشتها مع أسرتها، تقول: "الحرب كانت جوعًا وخوفًا، ونزوحًا لا ينتهي. فقدنا الأمان والاستقرار، وضاع مستقبل أطفالي بسبب توقف التعليم.. حياتهم الآن تتمحور حول تعبئة المياه والطعام من التكية". 

منذ بداية الحرب، نزحت أسرة محسن (30 عامًا)، والتي تسكن حاليًا في خيمة بمواصي خانيونس أربع مرات متنقلة بين محافظات القطاع بحثًا عن الأمان، لكنها اليوم تعيش "فرحة عارمة كاد قلبي يتوقف من شدة الفرح، بكيت وكبّرت وهللت.. أتمنى ألا أعود لحياة الخيام والبرد". 

ورغم صعوبة التعبير عن فرحتها، تضيف آلاء: "أتمنى أن يكون وقف إطلاق النار بداية جديدة لنا، فرصة لعيش حياة كريمة بعيدًا عن الخوف والجوع. أريد مستقبلًا آمنًا لأطفالي، بعيدًا عن الخيام والمعاناة". 

أما الشابة العشرينية شيماء عبد الرحمن فتنتظر على أحرّ من الجمر لحظة اللقاء بزوجها بعد خمسة عشر شهرًا من البعد الذي فرضته الحرب، إذ نزحت مع أطفالها إلى جنوب قطاع غزة، بينما بقي زوجها في مدينة غزة، حيث فرّقتهما الحرب. 

معاناة شيماء كانت مزدوجة؛ فقد بدأت بفقدان طفلها في قصف استهدف منزلهم في مدينة غزة، واستمرت مع رحلة علاج انتهت باستشهاده ودفنه في رفح، ولا تنتهي المعاناة بتساؤلات أطفالها عن موعد عودتهم إلى والدهم. 

ورغم الأوجاع التي مرت بها، تملأ مشاعر الفرح قلب شيماء مع سماع خبر وقف إطلاق النار، تقول لـ"فلسطين أون لاين": "اللقاء بزوجي كان حلمًا أخشى أن يطول تحقيقه. غيابه زاد من معاناتي وأعبائي، لكن بمجرد رؤيته سأنسى كل ما مررت به من ألم وتشرد، وستصبح هذه اللحظة بداية جديدة لنا".

المصدر / فلسطين أون لاين