تقصفهم قوات الاحتلال من الجو عبر الطائرات، وتحاصرهم أجهزة أمن السلطة من الأرض، وتمنع عنهم الطعام والشراب، وتطلق النار على كل من يتحرك منهم. هذا هو حال المقاومين في مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، الذي يتعرض لحصار متواصل من قبل السلطة الفلسطينية لليوم الـ43 على التوالي.
وأول من أمس، استشهد 6 مقاومين بقصف إسرائيلي عنيف استهدف مخيم جنين، الذي تحاصره أجهزة أمن السلطة، في تكامل للأدوار بين الطرفين لوأد المقاومة في المخيم.
وأثار حصار السلطة وقصف الاحتلال المتزامن موجة غضب عارمة في الشارع الفلسطيني، وسط اتهامات للسلطة بأنها متواطئة مع الاحتلال في هجومه على المقاومين في المخيم.
جرائم متواصلة
قامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بإطلاق الرصاص صوب المواطنين أثناء نقلهم الشهداء الذين استشهدوا بقصف طائرات الاحتلال لمخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل هذه الأجهزة ضد المقاومة. كما منعت أجهزة أمن السلطة الطواقم الصحفية من دخول المخيم لإخراج الشهداء وإنقاذ الجرحى.
جاء القصف الإسرائيلي بعد ساعات من مبادرة وطنية وافقت عليها كتيبة جنين لوقف إراقة الدماء في المخيم. ومع ذلك، لم تستجب السلطة حتى اللحظة لأي من المبادرات الوطنية لوقف ما يحدث في المخيم.
مسؤولية السلطة
حملت اللجنة الإعلامية في مخيم جنين السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عمّا جرى في المخيم، بسبب الحصار المستمر الذي سهّل على الاحتلال اغتيال الشبان الستة.
الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين أكد أن قصف الاحتلال للمواطنين في جنين يأتي ضمن عمل مشترك بين السلطة والاحتلال، حيث يقومان بتوزيع الأدوار فيما بينهما. وقال عز الدين في حديثه لـ"فلسطين أون لاين": "السلطة تهاجم مخيم جنين، والاحتلال يهاجم البلدات المحيطة بجنين. وفي حالات معينة، عندما يفشل الاحتلال، كما حصل قبل فترة في السيلة الحارثية، تقوم السلطة باعتقال عدد من الشباب بتهمة العمل مع المقاومة، بلغ عددهم 6 أو 7".
وأضاف عز الدين: "السلطة تريد أن يكون مخيم جنين هو البداية، ثم يمتد عملها إلى كل شمال الضفة، متأملةً أن تنجح فيما فشل فيه الاحتلال، أي القضاء على المقاومة. إلا أن حملتها العسكرية متعثرة وفاشلة، والاحتلال بدأ يضجر منها، ولهذا لجأ لاغتيال الشبان في المخيم مساء أول من أمس".
ورأى عز الدين أن حملة السلطة على جنين تقوض سيطرة السلطة على الضفة على المدى البعيد، وأدت إلى تآكل كبير في شعبية فتح. وأشار إلى أن السلطة تحاول على المدى القصير تعويض ذلك من خلال القمع وإسكات صوت الناس، لكنه تساءل: "إلى متى تستطيع ذلك؟ خصوصًا أن حملتها الأمنية لن تنتهي قريبًا، والمقاومة في شمال الضفة أثبتت أنها قادرة على تجاوز القمع المزدوج للسلطة والاحتلال".
وحول غضب الشارع، أشار عز الدين إلى أن السلطة لا تبالي بغضب الناس والفصائل، لأن الآخرين يتجنبون الصدام معها حتى لا تنحرف البوصلة عن الاحتلال. وقال: "السلطة تراهن على استمرار سكوت الناس، فقد اعتادت منذ جريمة قتل نزار بنات أن يحتج الناس لأيام وأسابيع ثم ينسون".
انتقادات لاذعة
من جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد فراسيني أن الاحتلال يطلق الصواريخ على المخيم، ويسقط شهداء، وعند محاولة إخلائهم، يطلق عناصر أجهزة السلطة الفلسطينية النار على الذين يعملون على إجلاء الضحايا، ويمنعون الصحفيين، ويطلقون النار على الواصلين إلى المستشفى الذي يسيطرون عليه، ولهم ثكنة على سطحه.
وقال فراسيني لـ"فلسطين أون لاين": "هؤلاء ليسوا فقط مجرمي حرب، بل يتصفون باللا إنسانية واللا وطنية وعدم الأخلاق".
وأوضح أن قصف الاحتلال لمخيم جنين يأتي في ظل غباء السلطة وخيانتها، وحلمها بأن تكون هي العميل المقبول والمستوعب.
وأضاف: "لن تحترم السلطة شهيدًا وأسرته، لأنها هي من شارك في قتله وأزال عنه الغطاء، وجرّم مقاومته وعمله النضالي. والحاجز ما بين السلطة والشعب الفلسطيني بناه الاحتلال بجهد واجتهاد محمود عباس وعصابته، وصعب تجاهله أو حتى تجاوزه".
تستمر الأحداث في مخيم جنين بتعقيداتها، حيث يتكشف يومًا بعد يوم تكامل الأدوار بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي في قمع المقاومة، مما يزيد من غضب الشارع الفلسطيني ويضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الصراع في الضفة الغربية.

