يتجاوز استمرار تحويل دول أوروبية مساعداتها الإنسانية لمؤسسات دولية ومحلية بديلة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" مسألة الأبعاد المالية، التي ستؤثر حتمًا على الخدمات المقدمة للوكالة، إلى أبعاد سياسية خطيرة تتعلق بحق العودة ومصير ملف اللاجئين. وهذا الهدف هو ما يقف خلف التقليص التدريجي للمساعدات والدور التاريخي للوكالة.
في قطاع غزة، وأمام نمو دور إغاثي لمؤسسات دولية مثل منظمة الغذاء العالمي وغيرها من المنظمات الدولية والمحلية، يتراجع دور الأونروا الإغاثي، رغم أن الأخيرة تمتلك خبرة طويلة في الإغاثة والطوارئ، فضلًا عن وجود آلاف العاملين لديها.
تأسست الأونروا عام 1949 لتقديم الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين، وتقدم حاليًا خدماتها لنحو 5.9 ملايين فلسطيني في جميع أنحاء المنطقة. كما يلتحق بمدارسها أكثر من نصف مليون طفل، وتستقبل عياداتها أكثر من 7 ملايين زيارة كل عام، بحسب موقعها الإلكتروني.
وتسعى (إسرائيل) لوقف عمل الوكالة، وهو ما صرح به رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، قائلًا: "يجب أن نستبدل بالأونروا وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة ووكالات مساعدات أخرى إذا أردنا حل مشكلة غزة حسبما نخطط".
نكبة ثانية
ورأى المتحدث السابق باسم الأونروا، سامي مشعشع، في مقال نشره، أن الهدف ليس فقط استبدال دور الأونروا وخدماتها الإنسانية، بل إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين بعيدًا عن ترجمة فعلية لحق العودة، واقترابًا أكثر لتثبيت مفهوم التوطين والتهجير القسري والطوعي والتعويض المادي للاجئين.
وقال مشعشع: "شيطنة الأونروا والجهود لإنهائها والقضاء على حق العودة هو جهد إسرائيلي بالأساس، وجهودهم لتأليب دول العالم ضدها هو للتأكد من نجاح جهودهم الذاتية لطرد الوكالة وإنهاء عملها في فلسطين المحتلة، وإيجاد بدائل لها، دولية وإقليمية ومحلية".
وأكد أن ما يُخطط له الآن هو "نكبة ثانية"، تعليمية وصحية واجتماعية، وتفقير ممنهج دفعًا للتهجير، وصولًا إلى نكبة ثانية مكتملة الأركان.
وتطرق مشعشع إلى العجز المالي المتراكم الذي ينعكس سلبًا على مستوى الخدمات المقدمة لملايين اللاجئين الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن ميزانية الأونروا العادية تتخطى 1.4 مليار دولار، وكما في السنوات السابقة، لن تتخطى التعهدات المضمونة من الدول المتبرعة نصف هذا المبلغ، بل سنكون دون هذا المستوى.
وأشار إلى أن أمريكا لم تعد أكبر متبرع للأونروا، ولن تعود تبرعاتها نهائيًا. وهي، مثل السويد (رابع أكبر متبرع)، حولت دعمها لمؤسسات دولية ومحلية، وتدرس دول أخرى مثل سويسرا تطبيق ذات النهج.
ورغم أن دولًا مثل النرويج والدنمارك وإسبانيا وبريطانيا واليابان وفرنسا ستبقى على دعمها للأونروا، كما يعتقد مشعشع، إلا أنها لن تزيد من مستوى التبرعات لتغطي الفاقد الأمريكي والسويدي، وستفرض شروطًا صعبة على الأونروا، وستتدخل في آليات صرف تبرعاتها.
وأكد أن ولاية الأونروا مخصصة لخدمة اللاجئين الفلسطينيين، وأن استبدالها بمؤسسات دولية أخرى مثل منظمة الغذاء العالمي ومنظمات مجتمع مدني محلية، وبميزانيات محدودة، سيحرم قطاعات واسعة من اللاجئين من الخدمات الأساسية، خصوصًا الصحية والخدمات الاجتماعية لأفقر الفقراء، مما سيرفع مستويات الفقر الشديد والانكشاف الاقتصادي لمستويات غير معهودة.
وحذر من أن هذا النهج سيدمر العملية التعليمية لمئات الآلاف من الطلبة في مدارس الأونروا، لأن المؤسسات البديلة لديها في أحسن الأحوال عشرات العاملين، بينما لدى الوكالة في قطاع غزة وحدها 13 ألف معلم ومعلمة وأطباء وفنيين وعمال نظافة ومهندسين وغيرهم، ومن الصعب جدًا استبدالهم.
تصفية لقضية اللاجئين
من جهته، عدّ مدير مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، د. إسماعيل الثوابتة، ما يجري محاولة واضحة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال تقليص دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تأسست بقرار أممي لدعم حقوق اللاجئين حتى تحقيق حق العودة.
وأكد الثوابتة لـ "فلسطين أون لاين" أن "استبدال الأونروا بمؤسسات أخرى يُعدّ تهديدًا مباشرًا للحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، ويهدف إلى شطب حق العودة تدريجيًا، مما يعزز محاولات إنهاء القضية الفلسطينية على المستوى الدولي". مشددًا على أن "هذا الأمر مرفوض تمامًا، ولا يمكن أن يقبل به شعبنا الفلسطيني".
وشدد على أن الأونروا منظمة أُنشئت ليست لتنتهي، وإنما لتثبت حقوق شعبنا بالعودة وإنهاء أزمة اللاجئين الفلسطينيين.
وحول وجود مؤشرات على توجيه دعم الدول الأوروبية لمؤسسات دولية بدلًا من الأونروا، قال: "نعم، نلاحظ توجيه بعض الدول الأوروبية وغيرها من الأطراف الدولية للدعم الإنساني والمساعدات عبر مؤسسات دولية بديلة، متجاهلةً الأونروا".
ورأى الثوابتة أن هذه التحركات تهدف إلى تقليص نفوذ الأونروا ودورها، وتحويل المساعدات إلى قضايا إنسانية بحتة، بعيدة عن البعد السياسي والحقوقي لقضية اللاجئين الفلسطينيين. هذا التحويل يُضعف الجهود المبذولة للحفاظ على حقوق اللاجئين وحقهم في العودة.
وأكد أن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة أكدت في أكثر من لقاء وجاهي مع مسؤولي هذه المنظمات أنها والشعب الفلسطيني لن يقبلوا مطلقًا أن تأخذ أي منظمة دور الأونروا. "نحن متمسكون بالأونروا، فمصير شعبنا الفلسطيني مرتبط بها، ولن نقبل بتحييدها بالمرة".
وأضاف: "الأونروا ليست مجرد مؤسسة إغاثية، بل هي الشاهد الدولي الرسمي على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، حسب القرارات الأممية".
ويتجاوز دور الأونروا، وفق الثوابتة، تقديم الخدمات الأساسية؛ فهي تحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين. إضعاف الأونروا أو استبدالها يعني فقدان هذا الاعتراف الدولي وإضعاف الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية. "لن نسمح ولن نقبل بشطب الأونروا".
وعدّ الثوابتة استبدال الأونروا انتهاكًا للقرارات الدولية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، خاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 الذي أنشأ الأونروا، لافتًا إلى أن الوكالة تقدم خدمات لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، وأي محاولة لتقليص دورها ستتسبب في معاناة إنسانية كبيرة للاجئين الذين يعتمدون على خدماتها الأساسية.
وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، والعمل على دعم الأونروا لضمان استمرارها في تقديم خدماتها وحماية حقوق اللاجئين.