التفتت الفتيات الصغيرات نحو محفظتهن سجى شيخ العيد، تتلو إحداهن تلو الأخرى ما حفظنه من آيات قرآنية. تتكرر هذه الجلسة يوميًا بعد ساعات العصر داخل مخيم للنزوح في مواصي خان يونس، منذ سبعة أشهر.
زهرات بأعمار مختلفة، يتجاوز عددهن 25 حافظة، يثابرن ويتسابقن من أجل حفظ أكبر قدر من سور القرآن الكريم. وتخصص شيخ العيد يومًا في الأسبوع لإعطائهن دورة تجويد مبتدئة.
أخذت لين أبو ندى تتلو سورة الأحقاف بتمكن واضح في الحفظ، وهي التي أتمت حفظ أربعة أجزاء منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية، وإعادة تمكين نفسها في كل مرة تنزح فيها.
تقول لين (16 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "علاقتي بالقرآن زادت في الحرب أكثر، وفي هذه الظروف التي نعيشها، لا تمنعنا من قراءة القرآن، بل تزيدنا إصرارًا على حفظه أيضًا".
أصغر حافظة
أما مريم الجعفراوي (37 عامًا)، فتصطحب بناتها الأربعة في حلقة التحفيظ، أصغرهن تبلغ من العمر ثلاث سنوات، ويتسابقن فيما بينهن على من تحفظ سورًا أكثر.
تقول الجعفراوي، النازحة من مدينة غزة إلى مواصي خان يونس: "جئت لأُسمع ما حفظت من القرآن الكريم، رغم المعاناة والمأساة التي نعيشها، وأحاول تشتيت ذهن بناتي عن أصوات القصف والصواريخ بتحفيظهن القرآن".
وتتابع: "تفاجأت أثناء تحفيظ بناتي القرآن بتالية، التي تبلغ ثلاث سنوات، وهي تسرد سورة التين دون أن يسبق لي تحفيظها، بل حفظتها من خلال ترديدها على مسامع أختيها.
وأردت استغلال ملكة الحفظ لديها، وأعكف على تحفيظها المزيد من السور. ورغم أن حلقات التحفيظ تستثني من هن أقل من ست سنوات، إلا أن موهبتها فاجأت المحفظة، فمنحتها استثناءً لتكون أصغر حافظة لديها".
فقد وجبر
إسراء المصري فقدت 25 فردًا من عائلتها، من بينهم والديها وأختيها وأخويها. تقول: "تلقيت الصدمة بصعوبة، وأحاول تناسي آلامي، ولكني لم أترك القرآن عملاً بوصية والدي الشهيد".
وتضيف المصري (30 عامًا): "منذ عام، انقطعنا عن المساجد، ومع كثرة وشدة الابتلاءات في الحرب، كنت أبحث عن شيء يصبرني ويهون عليَّ مصابي الجلل، فلم أجد أفضل من كتاب الله".
وتتابع: "حاولت أن أستشعر بأن كل آية في هذا القرآن تخاطبني أنا، وهذا ما يجعلني أتمسك بالقرآن أكثر".
أما ناهدة عبد الواحدة، فوجدت ضالتها في مواصلة إتمام حفظها لكتاب الله من خلال حلقات التحفيظ عبر الإنترنت، حيث تتواصل مع محفظات من شمال القطاع، وهي تنزح في جنوبه، وتقرأ عليهن ما حفظت، كما تفعل ابنتها ترتيل ذات الأعوام التسع أيضًا.
تقول ناهدة (40 عامًا) لـ"فلسطين أون لاين": "في كل مرة أنزح فيها، أبحث كثيرًا عن محفظات لأواصل معهن حفظ القرآن. وفي كل مرة أضطر إلى تثبيت ما حفظته والبدء من جديد، حتى تواصلت معي محفظة بناتي في المسجد بغزة قبل النزوح، وعرضت عليَّ فكرة الانضمام إلى فريقها".
وتكمل: "نتواصل عبر الواتساب في وجود الإنترنت، وفي حال تعذر وجوده، أسرد عليها ما حفظت عبر الهاتف يوميًا، ما عدا يوم الجمعة. ووجدت الأمر أسهل وأيسر لي، حيث لا أضطر إلى مغادرة الخيمة والذهاب لمسافة طويلة نحو مركز التحفيظ وترك طفلتي ذات الستة أشهر".