في ظل القصف المتواصل والدمار الذي يلف قطاع غزة، لم تتوانَ وسام القزاز، الفتاة الشغوفة بالعلم، عن مواصلة مسيرتها التعليمية والاستعداد لامتحانات الثانوية العامة. كانت وسام، التي تقيم مع أسرتها في منطقة الحاووز بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، تسير بثبات نحو تحقيق حلمها الأكاديمي، رغم الظروف القاسية التي تعيشها.
مساء الثلاثاء، كانت وسام في طريقها إلى منزل عمتها، تردد آيات القرآن الكريم بين أنقاض المنازل المدمرة، عازمة على المضي قدمًا في دراستها. كانت تخطط لمراجعة دروسها مع ابنة عمتها "رهف"، التي تقاسمها نفس العمر والطموح.
عُرفت وسام بين أقرانها وأهلها بجديتها وإصرارها على التعلم. فقد حفظت القرآن الكريم وأظهرت تفوقًا ملحوظًا في دراستها، كما أكدت خالتها "منى"، التي وصفتها بأنها كانت مثالًا للفتاة الطموحة التي لا تعرف اليأس.
بعد عام كامل من انقطاع التعليم بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتدمير المدارس، اعتمدت وسام ورهف على التعليم الإلكتروني لمواصلة تحصيلهما العلمي. كانت الفتاتان تريان في التعليم ضرورة ملحة، ووسيلة لتحقيق أحلامهما رغم كل التحديات.
تقول الخالة منى: "عندما وصلت وسام إلى بيت عمتها، بدأت بمراجعة دروسها في أجواء مليئة بالأمل، رغم القصف الذي كان يهدد المنطقة. لكن فجأة، أطلقت طائرات الاحتلال صاروخًا على الغرفة التي كانت تتواجد فيها مع رهف وفتاة أخرى، لترتقيا شهيدتين معًا".
تتوقف الخالة منى للحظة، ويعلو صوتها حزنًا وهي تروي تفاصيل المعاناة التي عاشتها العائلة منذ بداية الحرب. تقول: "منذ اليوم الأول للحرب، قام والد وسام بتوزيع أبنائه الأربعة على أقاربه في محاولة لحمايتهم من الخطر. نزحنا أكثر من سبع مرات بين المحافظة الوسطى ومدينة رفح ومواصى خانيونس غربًا، والتي ادعى الاحتلال أنها مناطق آمنة. لكن الاستهداف المتكرر لتلك المناطق دفعنا إلى العودة إلى منزلنا، رغم الأضرار الجزئية التي لحقت به".
لم توقف الظروف القاسية وسام عن مواصلة تعليمها. تقول خالتها: "كانت وسام تحتفظ بكتبها وتدرس في خيام متهالكة، مستفيدة من أضواء القمر لإكمال مهامها الدراسية. كانت تحلم بأن تصبح طبيبة أطفال، لتساعد في علاج الأطفال الذين عانوا من ويلات الحرب، وتخفف من آلامهم".
لكن الحلم انتهى فجأة. رحلت وسام تاركةً خلفها ذكرياتها وأحلامها، لتصبح شاهدة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل في غزة. تقول الخالة منى بصوت حزين: "وسام كانت رمزًا للإصرار والأمل، لكنها أصبحت الآن رمزًا للظلم الذي يتعرض له شعبنا".