المن يتوهم أنه بسياسة الحديد والنار يستطيع أن يخضع الشعوب، وأن يكمم الأفواه ويكبل الأيادي؛ فقد أخطأ الحساب ولم يقرأ الواقع قراءة صحيحة، لأن لغة القوة اليوم لا يمكن أن تكون هي الحل لمشاكل الشعوب الحرة، مهما كانت هذه القوة، ومهما كان حجمها وضخامتها؛ فالشعوب الحرة دائمًا تأبى الرضوخ والخضوع للاحتلال الظالم.
أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر الأربعاء الماضي على مداهمة مقار شركات إعلامية بالضفة الغربية، تقدم خدمات إعلامية لعشرات الفضائيات، وإغلاق أبوابها بصفائح الحديد مدة 6 أشهر، بحجة أن هذه الشركات تقدم تسهيلات وخدمات إعلامية لفضائيات تؤلب على كيان الاحتلال، ذلك إضافة إلى حربه على مواقع إلكترونية حتى مواقع التواصل الاجتماعي.
أكثر ما يشعر بخطورته الاحتلال هو الإعلام الفلسطيني، الذي أثبت جدارته ووطنيته في مراحله جميعًا، ما زاد من سخطه على الصحفيين والإعلاميين والقنوات الفضائية العاملة والشركات الإنتاجية في فلسطين، وقد زاد غضبه أخيرًا مع بداية الهبات الشعبية في مدينة القدس، وعلى وجه التحديد من بعد هبة الشهيد الفتى محمد أبو خضير في 2/7/2014م، وما تلاها من هبات شعبية متلاحقة، كان آخرها هبة باب الأسباط في 14 تموز من العام الحالي، التي لعب فيها الإعلام والقنوات الفضائية دورًا كبيرًا في فضح وتعرية الاحتلال، ونقل صورة حية عن قمعه وتنكيله بالمصلين على بوابات المسجد الأقصى وساحات القدس العامة، الذين عبروا عن رفضهم نصب البوابات الإلكترونية على بوابات المسجد الأقصى، وكانت سجاجيد صلواتهم هي سلاحهم المقاوم، الذي أثار غيظ وحنق الاحتلال، فعمد إلى قمعهم بوحشية، فارتقى من شهداء في معركة رفض البوابات الإلكترونية وما يسمى الكاميرات الذكية.
حتى يمنع الاحتلال الأصوات الفلسطينية الحرة والجريئة التي تفضح ممارسته وتعريه عمد إلى إغلاق أكثر من مؤسسة إعلامية، مثل: فضائية فلسطين اليوم، وأربع إذاعات محلية في الخليل، كسر ودمر محتوياتها وصادر أجهزتها، واعتقل العديد من العاملين فيها ومديري مكاتبها.
إن تعدي الاحتلال على الحريات الصحفية واغتياله الحقيقة، يستهدف التغطية على إجراءاته وممارساته القمعية والإذلالية بحق شعبنا، وطمس كل أشكال تعدياته وجرائمه على شعبنا؛ لهو انتهاك صارخ للقوانين الدولية، وإهانة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2222)، الذي يوفر الحماية للإعلاميين ويجرم العدوان عليهم، لأنه يخشى كشف حقيقته العارية أمام العالم عدوًّا مغتصبًا للأرض ومهودًا لها، وسارقًا للآثار ومزورًا للتاريخ والجغرافيا، ومعتديًا على المقدسات.
أن يدعي كيان الاحتلال اتباع الديمقراطية وفي الوقت نفسه يتبع سياسة القمع وتكميم الأفواه مع وسائل الإعلام الفلسطينية إنه أمر متناقض، وهذه ليست المرة الأولى، فكانت دومًا على مر سنوات الاحتلال في طليعة الاشتباك المباشر مع المحتل، تعريه وتفضحه، وتنقل جرائمه بحق شعبنا إلى دول العالم والمجتمع الدولي، وتزيل القناع عن زيف ما يسمى ديمقراطيته وإنسانيته، حيث مسلسل الانتهاكات بحق صحفيينا وإعلاميينا، وكل وسائل إعلامنا المقروء والمسموع والمرئي منها لم يتوقف على مدار سنوات الاحتلال، من قتل، واعتقال، وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي والمعدني، والقنابل الصوتية والغازية على الصحفيين، واستخدام القوة المفرطة بحقهم، ومن ذلك الضرب المبرح، ومنعهم من التغطية، وتكسير الكاميرات والهواتف النقالة حتى سيارات البث، فضلًا عن استخدامهم دروعًا بشرية، وفرض الإقامات الجبرية عليهم.
هؤلاء هم جنود الميدان، المدافعون عن الحرية، وأصحاب المواقف والمبادئ، دائمًا يكونون في مقدمة الاستهداف، ولذلك هذه الحرب التي يشنها المحتل على وسائل إعلامنا وشركاتنا الإنتاجية وغيرها تستوجب من كل المؤسسات الصحفية والحقوقية والإنسانية _وفي مقدمتها الاتحاد العالمي للصحفيين وروابط الصحفيين المستقلين_ التدخل العاجل للجم ووقف انفلات الاحتلال، ووقفه حربه على الصحافة والصحفيين ووسائل الإعلام الفلسطينية، ونطالب المؤسسات والهيئات الحقوقية الدولية جميعًا باتخاذ قرارات ملزمة لوقف اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على وسائل الإعلام الفلسطينية، التي هي جزء لا يتجزأ من العمل الوطني نفتخر به.