يرى مراقبون ونشطاء سياسيون أن الإجراءات الأخيرة للسلطة ضد مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة تمثل نقطة تحول ستؤدي إلى تعميق الهوة بين الفلسطينيين، وسط تحذيرات من مخاطر التحريض والتحشيد على السلم الأهلي والمجتمعي.
الناشط السياسي من جنين، غسان السعدي، أكد أن حصار أجهزة الأمن المشدد على مخيم جنين والعقاب الجماعي للأهالي يهدف إلى اجتثاث المقاومة من قلعتها التاريخية، وهو ما ينذر بمخاطر كبيرة على صعيد القضية الفلسطينية.
وقال السعدي لصحيفة "فلسطين"، إن السلطة أطلقت حملة تشويه مكثفة ضد الشباب المقاومين في المخيم، وتحاول استعداء الشارع ضدهم، نافيًا الاتهامات التي تأتي في سياق تشويه النضال الفلسطيني واغتيال المناضلين معنويًا.
حاضنة شعبية
وأضاف: "هؤلاء شباب مشهود لهم بالوطنية والالتزام بالقانون والحفاظ على سلامة وأمن المجتمع"، موضحًا أن السلطة اتهمتهم تارة بأنهم خارجون عن القانون، وتارة أخرى بأنهم يعملون لحساب أجندات خارجية، وذلك من أجل تمرير الهجوم على مخيم جنين وإبعاد الناس عن المقاومين، لكنهم لم يفلحوا في ذلك.
وأشار السعدي إلى أن شباب مخيم جنين سطروا أروع الملاحم والبطولات في الدفاع عن فلسطين وكرامة الفلسطيني.
وأبدى استهجانه من زج قيادات الأجهزة الأمنية بآلاف العناصر في العملية العسكرية ضد مخيم صغير، مشهود له بالمقاومة والثورة على الاحتلال على مدار عقود، مؤكدًا أن المخيم بجميع تلاوينه السياسية والمجتمعية يقفون مع المقاومين.
وقتل 8 مواطنين و6 أفراد من الأجهزة الأمنية خلال العملية المستمرة منذ أكثر من شهر، معظمهم برصاص الأجهزة الأمنية، وفقًا للسعدي.
وشدد السعدي على أن المقاومين حريصون على عدم إراقة الدم الفلسطيني مهما بلغ حجم التضييق والملاحقة لهم، مشيرًا إلى ما لديهم من إمكانيات لفك الحصار العسكري بالقوة عن المخيم، لكن يمنعهم حرصهم على عدم سفك الدم الفلسطيني.
انتهاكات بالجملة
وذكر أن أجهزة الأمن اعتقلت أكثر من 280 شخصًا من أبناء المخيم منذ بدء الحملة عليه، ويتعرض المعتقلون للتعذيب القاسي، كما يُمنعون من العرض على المحاكم ولا تتوفر لهم أدنى الحقوق المنصوص عليها في القانون.
وأضاف أن الأجهزة الأمنية تحتجز قرابة 320 عسكريًا من أفرادها في مواقع عملهم وتمنع مغادرتهم، لرفضهم المشاركة فيما يجري في المخيم أو لمحاولتهم إيجاد حلول سلمية للأزمة
وأشار إلى أن السلطة اعتقلت العديد من المواطنين والنشطاء لمجرد إبداء رأيهم في أحداث جنين، وشنّت حملات تشويه ضد رموز وطنية بسبب موقفها الرافض لما يحصل في المخيم.
وأكد أن الأجهزة الأمنية قمعت مسيرة دعت إليها القوى الوطنية والإسلامية قبل عدة أيام في جنين، شاركت فيها رموز وطنية من كل محافظات الضفة، إضافة إلى أهالي الأسرى.
وأضاف: "في انتهاك صارخ للقانون، منعت الأجهزة الأمنية المراكز الطبية في عموم الضفة من تقديم العلاج لأي مصاب من مخيم جنين، واعتقلت عددًا من الأطباء والممرضين لمحاولتهم القيام بواجبهم الإنساني، كما اعتقلت عددًا من مصابي المخيم من مراكز خارج جنين".
مبادرات تصطدم بجدار الرفض
وأشار السعدي إلى أن العديد من المبادرات المحلية والوطنية قدمت من طيف واسع من القوى والمؤسسات والشخصيات الوطنية لإنهاء الأزمة، لكنها قوبلت بالرفض من قيادة السلطة في رام الله، التي تصر على استئصال شأفة المقاومة من المخيم.
وتابع: "رئيس السلطة محمود عباس يرفض كل هذه الحلول والمبادرات"، بينما عبر أعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح في اتصالات مع المقاومين عن رفضهم للحملة على المخيم، ووعدوا ببذل الجهود لرأب الصدع، لكن الجهود لم تصل إلى نتيجة حتى الآن.
وأكد السعدي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بكل جبروته لم يفلح في القضاء على المقاومة وشبابها أو على رمزية المخيم الثورية، والمعارك في النصف قرن الأخير خير شاهد على بسالة رجال المخيم ومقاتليه.
ودعا إلى تحرك المستويات السياسية والمجتمعية المختلفة، وعلى رأسهم كوادر فتح وقياداتها، للضغط على قيادة السلطة في رام الله لحملها على وقف العملية في مخيم جنين وإنهاء حملة القمع وتكميم الأفواه، وتوفير الحريات كاملة للمواطنين.
وحث السعدي السلطة على البحث عن حلول مقبولة لتهدئة الأوضاع وفتح المجال أمام الأفكار والمبادرات المختلفة، محذرًا من انعكاسات سلبية وخطيرة على السلم الأهلي والمجتمعي في حال استمرار الحملة وما يرافقها من تحشيد وتحريض سياسي وإعلامي وأمني.