رغم الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خلال الحرب الجارية منذ 15 شهرًا، يعتقد كُتّاب ومحللون سياسيون أن الأثمان التي كانت ستُدفع - وفشلت بفعل صمود الشعب ومقاومته - كانت باهظة أيضًا، وتتعلق بمصير القضية الفلسطينية برمتها.
لم تواجه المقاومة في قطاع غزة حرب إبادة فقط شُنت على القطاع، وفق خبراء سياسيين وعسكريين تحدثوا إلى صحيفة "فلسطين"، بل منعت - بفعل الصمود الأسطوري - تصفية القضية الفلسطينية، وأفشلت مخطط تهجير أهالي القطاع إلى سيناء وأهل الضفة الغربية، مما حصر الاحتلال أهدافه في القضاء على حركة حماس واستعادة أسراه بالقوة العسكرية، وهو ما فشل في تحقيقه أيضًا.
عدم تحقيق أهداف الحرب المعلنة يُعده الوزير الإسرائيلي السابق حاييم رامون في مقال له بصحيفة "معاريف" "فضيحة استراتيجية مدوية وخالية من الإنجازات". وأضاف رامون: "بعد 15 شهرًا من بدء الحرب الإسرائيلية، لا تزال حماس تسيطر على معظم المناطق والسكان والمساعدات، وتحتجز 100 أسير، وتواصل إطلاق الصواريخ، وتستنزف دماء الجنود الإسرائيليين".
ورأى أن "الإنجازات التي حققها الجيش في جبهات القتال الأخرى تسلط الضوء فقط على عمق الفشل في قطاع غزة. صحيح أن حماس تلقت ضربات قاسية، لكن سلطتها لا تزال تمتد على كامل القطاع، وقوتها العسكرية ما زالت فعالة"، معتبرًا أن "الحرب في قطاع غزة هي فشل استراتيجي مدوٍ".
وبعد أكثر من 12 جولة تفاوض، مارس الاحتلال خلالها ضغوطًا عسكرية واستخبارية كبيرة، تتحدث وسائل الإعلام العبرية عن قرب الوصول إلى صفقة تبادل، والتي ستحمل في طياتها - لو حدثت - استجابة لنفس شروط المقاومة التي طُرحت منذ الجولة الأولى، ولكن بعدد أقل من جنود الاحتلال الأحياء.
هذا ما أشار إليه وزير جيش الاحتلال الأسبق يوآف غالانت، قائلاً: "صفقة التبادل المطروحة حاليًا تكاد تكون مطابقة للصفقة التي تمت مناقشتها في نيسان/أبريل، تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين، مع اختلاف واحد وهو أن هناك عددًا أقل من المختطفين الأحياء".
هدف التهجير
يُعيد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل التذكير بالأهداف الأساسية الأولى للحرب، والتي تراجع عنها الاحتلال وحلفاؤه مرة تلو الأخرى، بعدما كان الهدف تهجير سكان القطاع إلى سيناء، وتغيير خارطة الشرق الأوسط، وتصفية القضية الفلسطينية، حيث كان سيتبع ذلك تهجير سكان الضفة وحسم الصراع عليها.
وأكد عوكل لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال فشل فشلًا ذريعا، لذا انتقل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى أهداف أخرى، تمثلت بإنهاء حماس مدنيًا وعسكريًا. وحين فشل في ذلك بشهادة الميدان وشهادات الجنرالات والمسؤولين الإسرائيليين، وأيضًا بشهادة الواقع الدولي الذي أصبحت فيه (إسرائيل) دولة منبوذة وملاحقة، لم يبقَ أمامها سوى التدمير والقتل والانتقام من كل شيء متحرك أو جامد في القطاع.
وقال: "(إسرائيل) لم تنجح في إنهاء حماس، لا عسكريًا ولا مدنيًا، وهم يعترفون بذلك. لم يستعيدوا أسراهم بالقوة، ولم يُعد سكان المستوطنات لا في الشمال ولا في الجنوب. لقد فشلوا في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف". وأضاف أن (إسرائيل) باتت مهمشة، وخسائرها ضخمة على مختلف الأصعدة. وانكشف زيف ادعاءات جيش الاحتلال الذي لا يُقهر ولا يملك القدرة على الردع.
وصمة عار
بدوره، يرى الكاتب السياسي والعسكري أحمد عبد الرحمن أن هدف الحرب الأساسي كان تدمير قطاع غزة بهدف ردع الفلسطينيين من خلال سياسة التدمير، معتبرًا أن هذا هدف غير أخلاقي لا يمكن التفاخر به. وقال عبد الرحمن لصحيفة "فلسطين": "الأهداف الأخرى للحرب، كاستعادة المختطفين، ستشكل وصمة عار في تاريخ جيش الاحتلال، الذي يقتلهم مع استمرار القصف، فيما فشل في القضاء على حماس".
ورأى أن الفشل الاستراتيجي يلازم الاحتلال منذ مدة طويلة، بعد آخر حرب خاضها مع مصر في أكتوبر/تشرين الأول 1973، وانتقاله بعد ذلك إلى مواجهات قصيرة بهدف تكبيد الطرف الآخر خسائر كبيرة. وأضاف: "مثلًا، كان هامش الخطأ مع كل استهداف قبل طوفان الأقصى 10 مدنيين، والآن يسمح الاحتلال بقتل 50-100 مدني فلسطيني أو أكثر مع كل استهداف، رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي، ويعد إبادة جماعية".
وأشار إلى أن (إسرائيل) خسرت الحرب الحالية منذ الساعة الأولى، وفشلت في تحقيق أي إنجاز استراتيجي بعد 15 شهرًا من الحرب، رغم الدعم العسكري غير المسبوق من أمريكا وأوروبا، والاستعانة بمرتزقة من أنحاء العالم.
استراتيجية المقاومة
في المقابل، ورغم الضربات الكبيرة، بدأت المقاومة باستعادة ورش التصنيع، وتقوم بعمل تكتيكات دفاعية حديثة، وتستطيع تعويض أي خسارة في المقدرات والكوادر السياسية والعسكرية. وأكد عبد الرحمن أن المقاومة تخوض حربًا صعبة لم تخضها أي دولة بالمنطقة، وتواجه جيشًا بإمكانيات هائلة، لكنها كشفت ضعفه وسوء إدارته.