فلسطين أون لاين

"في ذكرى استشهاد العالم نزار ريان"

جباليا: ملحمةٌ بطوليَّة تكتبُ فصولَها بالدِّماء

...
غزة/ محمد عمر

"لن يدخلوا معسكرنا.. يعني لن يدخلوا معسكرنا"، تلك المقولة الخالدة للشهيد العالم نزار ريان خلال معركة "أيام الغضب"، وهو يتقدم صفوف المقاومين بسلاحه متربصا لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يحاول النيل من مخيم جباليا منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى حتى معركة "طوفان الأقصى".

وظهر القيادي في حماس آنذاك خلال المعركة (29 سبتمبر/ أيلول – 16 أكتوبر/ تشرين أول 2004م) بلباسه العسكري وسلاحه بين أزقة المخيم، خلال المعركة المذكورة التي نفذها جيش الاحتلال في محاولة إسرائيلية للقضاء على المقاومة وصواريخها شمال قطاع غزة.

وأمام وسائل الإعلام، قال المجاهد ريان كلماته الشهيرة: "تركنا أولادنا، تركنا أزواجنا، تركنا ديارنا، ودعنا المحابر والأقلام، وجلسنا للدم والشهادة، لن نترك معسكرنا (جباليا)، سنذبحهم (جنود الاحتلال) في أزقتنا، في هذه المرة لن يستطيعوا أن يعودوا سالمين، سنأسر وسنعيدهم أشلاء".

وأفشلت المقاومة آنذاك بقيادة كتائب القسام، خطة جيش الاحتلال للتوغل داخل جباليا، واستطاعت تفجير وتدمير 22 دبابة، 31 جرافة عسكرية، 18 ناقلة جند وجيب عسكري، وقتل 20 جنديا.

وعاش القائد السياسي والعسكري لاحقا عدة سنوات حتى ارتقى برفقة 15 فردا من عائلته شهداء بقصف إسرائيلي على منزله في جباليا خلال الحرب الإسرائيلية على غزة 1 يناير/ كانون ثان 2009م.

ولم تكن المحطة النضالية السابقة لجباليا الأولى في الصراع مع الاحتلال، بل شهدت الشرارة الأولى لاندلاع (الانتفاضة الأولى/ انتفاضة الحجارة) عقب استشهاد أربعة عمال على حاجز عسكري إسرائيلي 8 ديسمبر/ كانون أول عام 1987.

وفي صباح اليوم التالي، عم الغضب مخيم جباليا وانطلقت المظاهرات الغاضبة، التي تحولت إلى مواجهات وانتفاضة استمرت لسنوات وشهدت انخراط كل أطياف الشعب الفلسطيني. 

وبدا لافتا خلال الانتفاضة التي شهدت انطلاقة حركة حماس، ظهور القائد في كتائب القسام عماد عقل من مخيم جباليا، الذي بدأ العمل المسلح ضد دوريات الاحتلال وجها لوجه من "مسافة الصفر".

وطارد جيش الاحتلال ما عليه "الأسطورة" و "ذو الأرواح السبعة" عدة سنوات تمكن خلالها من تنفيذ أزيد عن 40 عملية فدائية رسخ خلالها "المسافة صفر" و"الكمائن العسكرية" ما أسفر عن مقتل عشرات الجنود والمستوطنين في قطاع غزة والضفة الغربية.

"جباليا .. طوفان الأقصى"

ومجددا، عاد شمال قطاع غزة (بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا) للواجهة العسكرية الإسرائيلية لوأد المقاومة وقذائفها الصاروخية التي تطلقها بين حين وآخر صوب المستوطنات المحاذية لغزة و"تل أبيب" والقدس المحتلة.

وبداية معركة "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023م عبر المقاومون الفلسطينيين الأراضي المحتلة المحاذية لشمال غزة، وتمكنوا من قتل مئات الجنود في تلك المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية (سديروت، إيرز، زيكيم، عسقلان).

ولذلك، حاول جيش الاحتلال خلال حربه "المسعورة" المستمرة حتى اللحظة، الانتقام من شمال القطاع عبر تنفيذ عمليات عسكرية متكررة قتل خلالها البشر والحجر والشجر ودمر المستشفيات ومراكز الإيواء الإنسانية.

وبدأت العملية العسكرية الثالثة أو ما تعرف بـ"خطة الجنرالات" الإسرائيلية مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2024م، واعتمد جيش الاحتلال في عمليته العسكرية أسلوب "الأرض المحروقة" من القصف العشوائي، الأحزمة النارية، تدمير المباني بالروبوتات والبراميل المتفجرة إضافة لحصار السكان ومنع إدخال الماء والطعام، بهدف تهجير سكان المخيم بالقوة وتحويل شمال غزة لمنطقة أمنية عازلة.

ورغم ذلك، تعلن المقاومة وكتائب القسام بشكل شبه يومي عن تنفيذ مقاتليها لعمليات بطولية (قنص، تفجير دبابات، تفجير مدرعات) حتى وصل الأمر بهم لتنفيذ عمليات استشهادية وطعن لجنود في نقاط عسكرية والاستيلاء على أسلحتهم الخاصة.

ونجحت كتائب القسام في اغتيال قائد اللواء 401 بالجيش العقيد إحسان دقسة برفقة عدد من الضباط في كمين بعبوة ناسفة استهدفتهم بشكل مباشر في جباليا.

ووفقا لإذاعة جيش الاحتلال قتل 41 ضابطا وجنديا منذ بدء العملية العسكرية المستمرة بمحافظة شمال غزة.

"إرث الريان"

وبرأي الكاتب والمحلل السياسي ياسين عز الدين فإن خطط الاحتلال المستمرة ضد شمال القطاع عامة وجباليا خاصة، لا زالت تواجه "الفشل" في ظل مقاومة صامدة تقاتل يوميا بمختلف التكتيكات والعمليات النوعية.

وأكد عز الدين في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال لم ينجح سوى بالدمار والخراب، و"تهجير جزئي" في ظل وجود عشرات آلاف السكان الصامدين شمال غزة.

وقال إن بقاء المقاومة تقاتل وتستنزف الجيش وتمنعه من الاستقرار في جباليا أو أي منطقة أخرى، يجعل أية "إنجاز إسرائيلي ناقص"، مستدلا بعودة السكان والمقاومة في جميع مناطق القطاع.

وأضاف أن المقاومة القوية والمنظمة والعنيدة في غزة هي نتاج سنوات طويلة من العمل الحركي المنهجي، مشيدا بدور الشيخ الشهيد ريان الذي كان أحد الذين ساهموا ببناء الحركة وتقويتها.

وأشار عز الدين إلى أن "الشيخ ريان" له دور كبير في تقوية العمل العسكري وبث روح المعنويات العالية في صفوف أبناء شعبنا ودفعهم للإيمان بقدراتهم وإمكانياتهم في سبيل خدمة الدين والوطن.

وعسكريا، وصف الخبير العسكري العقيد ركن حاتم الفلاحي، منطقة شمال غزة بـ"مقبرة جنود الاحتلال" الذي يتعرض يوميا لضربات وعمليات نوعية رغم حصارها العسكري المشدد منذ ثلاثة شهور. 

وذكر أنه رغم محدودية الإمكانيات والفوارق الكبيرة في القوة، لا تزال المقاومة قادرة على إلحاق خسائر كبيرة بما يصل إلى 4 فرق عسكرية تعمل في شمال القطاع حاليا.

ورغم مرور 450 يوما على "حرب الإبادة الجماعية"، تواصل فصائل المقاومة إطلاق قذائفها الصاروخية تجاه المدن الإسرائيلية المركزية من شمالي قطاع غزة، الذي يتعرض لعملية عسكرية تعد الأعنف منذ بداية الحرب الحالية.

ورأى أن إطلاق الصواريخ من شمال غزة يحمل رسائل ودلالات من حيث التوقيت وطبيعة المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ.

وبحسب الخبير العسكري فإن الوجود العسكري الإسرائيلي المكثف فشل في منع إطلاق الصواريخ صوب الداخل الإسرائيلي، إلى جانب فشل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، إضافة إلى قدرة المقاومة على العمل في المنطقة الشمالية.

المصدر / فلسطين اون لاين