"الخيمة طارت".. تصرخ الأم فاطمة عامر وابنها محاولان الإمساك بالخيمة قدر المستطاع حتى يحافظا على ما تبقى منها، شادر السقف قد اقتلعته الرياح من مكانه، وبعض خشب الجوانب قد كسر، والأطفال في الداخل يرتجفون من البرد الذي تشتد حدته ليلا.
حاولت فاطمة عامر برفقة ابنها أن تعيد تمكين خيمتها، بدق بعض المسامير، وربط الزوايا بالحبال، وشدها جيدًا حتى تقاوم الرياح فيما بعد، ففي كل مرة تشتد الرياح أو تهطل الأمطار تمضي ليلها خوفا من اقتلاع خيمتها وفزع أطفالها.
تقول عامر النازحة من رفح في مواصي خان يونس: "اليومان الماضيان كانت الرياح شديدة للغاية أدت إلى كسر بعض خشب الخيمة، وتمزيق شادرها، في الصباح أقوم بمساعدة ابني في تثبيتها، وبعد العصر يكمل زوجي حيث يقوم بشد الشادر بحبال ومن ربطها بسيخ حديد، ودفنه داخل حفرة كالوتد لتثبيته أكثر".
وتضيف: "الرياح أخف وطأة علي من الأمطار التي تُغرق الخيمة، وتبلل الفراش، والأغطية، والملابس، وأقضي يومين لتجفيفها في الشمس، وفيهما أفترش الأرض لكي ينام أطفالي وألبسهم جاكيتاتهم الشتوية عند النوم حتى أحميهم من برودة الرمال".
وفي داخل المخيم لا صوت يعلو فوق صوت دق الشاكوش، والمسامير، فالكل مشغول بتثبيت خيامه، ووضع المزيد من النايلون تحسبا المنخفض الجوي القادم، تفاديا لغرق خيامهم.
وفي حال مشابه لحالة النازحة فاطمة عامر، لينا عبد العال النازحة من شمال القطاع تقول لـ"فلسطين": "حسب امكانياتي المادية البسيطة صنع زوجي خيمة من أكياس الدقيق الفارغة، حيث قمت بحياكتها وتغطية الخيمة فيها، ومع مرور الوقت، وبسبب أشعة الشمس اهترأت وتمزق الكثير منها مع اشتداد الرياح في الأيام الماضية".
وتتابع عبد العال: "قمت بالاستغناء عن بعض البطانيات والأغطية من أجل وضعها بدلا من أكياس الدقيق، فلا أمتلك الإمكانيات المادية لشراء شادر، واكتفيت بوضع شادر في الأعلى حتى يقينا من الأمطار ويخفف من غرق الخيمة".
وعلى الرغم من كل ذلك تقول: "بفعل الرياح طار الشادر، وتمزق من الأماكن الذي كان مثبتا فيها بمسامير، أعاد زوجي تثبيته مرة أخرى ووضع فوق نايلون خفيف لتخفيف من تسرب الأمطار إلى الخيمة".
وتشكو عبد العال من برودة الطقس، والصقيع الذي يجعلها وأطفالها يرجفون من البرد طوال الليل، حيث لا يمكن مقاومته بالأغطية، فشادر الخيمة لا يخفف حدة الصقيع، ولا وسائل تدفئة تجدي نفعا داخل الخيمة التي قد تحترق إذ أشعلت نارا بداخلها.
وتبين أنها اضطرت إلى إشعال بعض الحطب خارج الخيمة إلى أن صارت جمرا، وضعته في داخل الخيمة لتدفئة أطفالها، الذين كانوا يبكون من البرد، ولكن سرعان ما شعرت بالاختناق، وعلا صوت سعال أطفالها، فأطفأتها على الفور، وعادت ترتجف من البرد، ولا أن تفقد أحدا من أفراد عائلتها اختناقا.
نصيحة وضحكة
أما النازحة مريم القولق أخذت تسأل جاراتها كيف لها يمكنها أن تدفئ أطفالها ليلًا، حيث تصبح الخيمة مع اشتداد الصقيع إلى أشبه بالثلاجة، نصحتها بتسخين ماء وسكبه في زجاجات، ومن ثم وضعه في فراشهم قبل النوم، علا صوت ضحكة يملؤها القهر "كيف لي أن أسخن ماء ليلا على الحطب فالرياح الشديدة تطفئ النار، وسأقضي ساعات طويلة أحاول، فهذا الحل لا يجدي نفعا معي".
وتقول القولق النازحة من شمال غزة: "مع اشتداد الرياح تزداد برودة الخيمة، فالبعض نصحني بوضع أغطية على جوانب الخيمة لتخفيف من حدة الصقيع، ولكن ليس لدي ما يكفي من الأغطية فأثرت تغطية أطفالي بها ليلا على وضعها على الجوانب".
تناشد القولق المؤسسات الخيرية بتوفير أغطية للنازحين، أو خيام جاهزة، والافضل من ذلك توفير كرفانات لعلها تقي النازحين من حدة الصقيع، وتمنع موت الأطفال بسببه.
أما آمال الهسي، التي ينتابها القلق على أطفالها وحفيدتها، منذ أن قرأت أخبارًا تتحدث عن وفاة الأطفال في مخيمات النزوح من البرد.
تقول الهسي النازحة من شمال القطاع لـ"فلسطين": "أخاف أن أنام، يدا حفيدتي باردتان كالثلج، خبأتُها في فراشي، وكلما مرت دقائق أتحسسها لأتأكد من أنها حية، قلبي يؤلمني قهرًا وخوفًا عليها وعلى أطفال الخيام كلهم".