في الأسبوع الأول من شهر تموز يوليو الماضي أطلّ علينا رمز المقاومة الفلسطينية الملثّم "أبو عبيدة" في خطاب مُصَوّر، وهدد جيش الاحتلال بأن محور "نتساريم" الذي أقام فيه الاحتلال قواعد عسكرية وسط قطاع غزة سيكون "محورًا للرعب وسيخرج منه العدو مندحرًا مهزومًا".
محور "نتساريم" الذي شقّه جيش الاحتلال وسط قطاع غزة بهدف خنق الفلسطينيين، وحرمانهم من التنقل بين محافظات القطاع، والعودة إلى بيوتهم التي هجّرهم منها قسرًا في محافظتي غزة وشمالها، بات جنود الاحتلال فيه -بحسب تحقيق استقصائي نشرته صحيفة هآرتس العبرية قبل أيام- يتسابقون إلى قتل كل فلسطيني أعزل يقترب منه رجلًا كان أم طفلًا، ام امرأة، في عملية قتل عشوائي مستمرة تُجسّد جريمة "الإبادة الجماعية" المتواصلة دون توقف منذ أربعة عشرًا شهرًا في غزة.
وفي الوقت الذي كان يتلذّذ فيه جنود الاحتلال باستهداف وقتل الفلسطينيين العُزّل على جانبي المحور، وكان نتنياهو يتبجّح بغطرسةٍ وغرور بأن جيشه لن ينسحب من هذا المحور، كانت المقاومة الفلسطينية في المقابل تعدّ عدّتها لجعل هذا المكان مقبرة لجنود جيش الاحتلال، ومحورًا للرعب بحسب وصف الملثّم، حيث دأبت مجموعات المقاومة على قصف تجمّعات الاحتلال داخل المحور بقذائف الهاون، وصواريخ رجوم قصيرة المدى، ومع مرور الأيام؛ أصبح جنود وضباط جيش الاحتلال يتساقطون كالبط في مرمى الصيّاد، ووحل حرب الاستنزاف التي بات الاحتلال غارقًا في مستنقعها في غزة.
وللدلالة على صدق الملثّم الفلسطيني نستحضر خبرًا ذكرته إذاعة جيش الاحتلال وقناة "كان" العبرية نقلًا عن مصدر عسكري إسرائيلي أقرّ فيه بمقتل ضابط صهيوني برتبة "رائد" برصاص قنّاص فلسطيني خلال نشاط لجيش الاحتلال، في حيّ الصبرة شمال محور "نتساريم"، في منطقة يسيطر عليها جيش الاحتلال ميدانيًا منذ فترةٍ طويلة.
المثير في خبر مقتل الضابط الإسرائيلي أن جيش الاحتلال دمّر طيلة الأشهر الماضية مساحات جغرافية تزيد عن سبعة كيلو مترات بعرض محور "نتساريم"، تبدأ شمالًا من حي الزيتون في محافظة غزة، وتمتدّ جنوبًا لتصل إلى مخيم النصيرات في المحافظة الوسطى، وذلك بهدف تأمين جنوده وضباطه؛ الذين بات شغلهم الشاغل حراسة بعضهم البعض داخل المحور، ما يشير إلى استحالة تنفيذ عملية قنص من مسافة تصل إلى عدّة كيلومترات، علاوة على أن اقتناص ضابط رفيع المستوى برتبة "رائد" يؤكد أن القناص الفلسطيني قد اختار هدفه بأريحيّة تامّة ودقةٍ مُتناهية بعد عملية رصدٍ ومراقبةٍ طويلة.
خبر مقتل الضابط الإسرائيلي "عميت ليفي" الذي شغل قائد فريق في كتيبة 6551 في جيش الاحتلال في محور "نتساريم"؛ لا يُذكَر أمام العمليات الفدائية النوعية التي ينفّذها يوميًّا رجال المقاومة في بلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا ومخيمها أقصى شمال قطاع غزة، وفي عمق مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، حيث اعتادت المقاومة الفلسطينية أن تبثّ مشاهد حيّة من "كمائن الموت" التي ينفذها رجال المقاومة، وتستهدف تجمّعات جيش الاحتلال وآلياته المدرّعة ومواقع تحصّناته داخل أحياء وبلدات قطاع غزة المختلفة.
واليوم؛ ومع استمرار حرب الاستنزاف في غزة، وفشل الاحتلال في تحرير أسراه أو إنهاء المقاومة، بات جيش الاحتلال يتكبّد خسائر فادحة بدأت ملامحُها تطفو إلى السطح مع تصاعد شكاوى بعض المسؤولين الاسرائيليين من النقص الحاد في تعداد جنود جيش الاحتلال، والذي بلغ بحسب "القناة 12" العبرية نحو 7 آلاف جندي، نتيجة استمرار حرب الاستنزاف في قطاع غزة، كما تصاعدت المطالبات بتمديد الخدمة الإلزامية لتكون 3 سنوات بدلًا من 32 شهرًا لتعويض النقص، فيما انخفضت معدلات استجابة الاسرائيليين لدعوات التجنيد الاحتياطي في الجيش، بما يؤشر إلى تهرّبّهم من التجنيد خوفًا من إرسالهم للقتال في غزة، فيما استقال نحو 500 ضابط برتبة "رائد" في النصف الأول من العام الجاري بحسب تحقيق صحفي نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية مؤخرًا، وهي دلالة على حالة الإحباط التي تسري بين ضباط وجنود جيش الاحتلال مع استمرار حرب غزة.
ومع تواصل حالة الإنهاك والاستنزاف التي يعانيها جيش الاحتلال في عمق غزة، سيواصل تعداد قتلاه من الضباط والجنود طالما استمرت عنجهية وغطرسة نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف، أما المقاوِم الفلسطيني المُدافع عن أرضه وشعبه، فقد اختار دربَه وحاز وسيلته التي يؤمن أنه سيتمكّن من خلالها هزيمة جيش الاحتلال؛ ودفعه للاندحار مُرغمًا ليس عن محور "نتساريم" الذي أقامه وسط قطاع غزة فقط؛ بل عن جميع أراضي قطاع غزة ابتداءً؛ وعن مدن القدس وحيفا ويافا لاحقًا بإذن الله.