لم يتغير المشهد اليومي المتكرر الذي تمارسه أجهزة أمن السلطة في الضفة المحتلة، من اعتقالات واستدعاءات سياسية بحق الطلبة الجامعيين والأسرى المحررين وأصحاب الرأي والنشطاء الحقوقيين، رغم توقيع اتفاق المصالحة الوطنية، برعاية مصرية.
وكثفت أجهزة السلطة، خلال الأيام الماضية، حملة اعتقالات واستدعاءات واسعة تركزت في محافظة طولكرم، وقلقيلية، وجنين، والخليل، شملت أكثر من عشرين مواطنا.
ووصف المستشار القانوني لمؤسسة الحق د. عصام عابدين، واقع الحريات في الضفة عقب إبرام اتفاق المصالحة في القاهرة، بـ"محلك سر"، وأن الواقع لم يختلف.
وشدد عابدين لـ"فلسطين"، على أن هذه الاعتقالات السياسية تجري خلافا للقانون الأساسي، والاتفاقات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين مؤخرًا، مضيفًا "لغاية الآن لا توجد إرادة سياسية حقيقة لطي صفحة الانقسام في مجال الحريات والحقوق".
وقال: غياب الإرادة السياسية لإنهاء الاعتقالات والتوقف عن انتهاك ملف الحريات، يجعل الأجهزة الأمنية في الضفة تعيش واقعا بأنها "محصنة طالما لا يوجد من يحاسبها"، داعيا لتفعيل المساءلة والمحاسبة في هذه المرحلة لوضع حد لكافة الانتهاكات.
وأضاف عابدين "اتفاق المصالحة أغفل جانب الحريات والحقوق، رغم أن هذا الملف من أكثر الملفات سخونة وأكثرها إيلامًا، فهناك الآلاف وقعوا ضحية للاعتقال والاستدعاء أو سوء المعاملة".
وأكد الحقوقي على ضرورة الاهتمام بملف الحقوق والحريات، وأن يأخذ الأولوية، مع ضرورة تطبيق برنامج عدالة انتقالية يقوم على تشكيل لجنة تُسمى "لجنة الحقيقة" لفحص جميع الانتهاكات التي جرت خلال فترة الانقسام.
وطالبت قوى وفصائل وشخصيات وطنية مؤخرًا السلطة الفلسطينية بضرورة وقف سياسة الاعتقالات والاستدعاءات السياسية في الضفة كنقطة انطلاق داعمة لاتفاق المصالحة، ودعم عجلتها للأمام دون عرقلة.
إحباط ويأس
وأكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد العوري، أنه لا تغير في ملف الحريات في الضفة، سواء قبل توقيع اتفاق القاهرة أو بعده، وأن المواطنين لم يلمسوا واقعا جديدا.
وأشار العوري إلى استمرار سياسة الاعتقالات والاستدعاءات السياسية، متسائلًا "الانقسام ولى عهده الآن ووقع اتفاق القاهرة للمصالحة، فلماذا لا نري تغيرا على الأرض؟".
وشدد العوري، خلال حديثه لـ"فلسطين" على أن الشارع الفلسطيني لا يزال يسمع بخطوات المصالحة، دون أن يرى حراكا واقعيا، وأن هذا الشارع نفسه ينتظر حقائق وتطبيقا واقعيا على الأرض.
وأكد العوري أن الاعتقالات السياسية ليست إلا جزءًا أساسيًا من سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال، والمرتبط باتفاق أوسلو للتسوية، والذي لا تجد السلطة مفرًا من تنفيذه.
وتابع: "الاعتقالات والاستدعاءات التي تجري تؤكد أن الأجهزة الأمنية لا وجود لها دون هذه السياسة"، داعيا في ذات السياق إلى ضرورة إجراء تغيير جذري لهذه السياسة من قبل الجهات المسؤولة، والخروج من اتفاقات التسوية وإلغائها.
واستدرك: "الشارع الفلسطيني بحاجة ماسة لرسائل طمأنة وتعزيز الثقة؛ بدلا من الحالة الجارية، سيما وأن استمرار الاعتقالات والاستدعاءات لا تعدو إلا معول إحباط واستياء من إمكانية تغير الأوضاع الحالية".