كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميريكية، أن العديد من جنود الاحتلال وثَّقوا الفظائع التي ارتكبوها خلال حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر 2023.
وأكد جندي احتياط خدم في غزة وجود شعور قوي بالانتقام من الجميع لدى الجنود الإسرائيليين.
وقالت الصحيفة في تحقيق استقصائي نشرته أمس الثلاثاء، إنّها تحققت من صحة أكثر من 120 صورة ومقطع فيديو لحرب الإبادة في غزة نُشرت بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأكتوبر 2024، ومعظمها تم توثيقه بواسطة جنود أو شاركوه علنا عبر حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضحت أنه على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي أصدر أوامر للقوات في غزة بعدم تصوير ونشر مقاطع فيديو انتقامية، فإن تلك المواد المصورة استمرت في الظهور على الإنترنت طوال فترة حرب الإبادة.
وأشارت الصحيفة إلى أنّها حصلت على حصيلة ضخمة من آلاف الصور ومقاطع الفيديو التي توفر نظرة نادرة ومقلقة عن كيفية تصرف جنود الاحتلال خلال واحدة من أكثر الحروب دموية ودمارًا في التاريخ الحديث.
وتتضمن الفظائع التي توثقها الصور ومقاطع الفيديو، وفق الصحيفة، أعمال تدمير واسعة للمباني السكنية والمدارس، وإحراقها، وأعمال نهب، تترافق مع أجواء احتفالية من قبل الجنود بارتكابها.
وأظهرت مقاطع الفيديو والصور جنودًا "إسرائيليين"، وهم يلتقطون صورًا تذكارية بجانب جثامين الشهداء، ويكتبون شعارات تدعو لإبادة الفلسطينيين، وتهجيرهم من غزة.
شهادةُ شاهدٍ من أهلها
ووثق أحد الفيديوهات قيام جنود احتياط من الكتيبة 9208 التابعة للواء النقب بقصف منطقة سكنية في شمال غزة باستخدام قذائف الدبابات ونيران الرشاشات، أثناء انسحاب وحدتهم من هناك أواخر العام الماضي.
وقام أحد الجنود في الوحدة بنشر مقطع فيديو للقصف الذي استمر 4 دقائق عبر فيسبوك، وكتب في عنوانه: "قصف وداعي".
كما قالت الصحيفة، إنها أجرت مقابلات مع 7 جنود "إسرائيليين" حول تجاربهم في غزة، وأظهر ذلك أن فظائع ما ارتكبه الجنود في القطاع لم تكن فقط تصرفات فردية، وإنما في بعض الحالات -مثل إحراق المنازل- كانت بأوامر مباشرة من القادة.
ونقلت الصحيفة عن مايكل زيف (29 عامًا)، وهو جندي احتياط، حيث قال إن "الشعور بالانتقام قوي جدا جدا لدى الجميع".
وأشار إلى أن الجنود استمتعوا كثيرا بحرق البيوت في قطاع غزة، رغم عدم وضوح الغرض العسكري من تفجير البيوت هناك.
وأضاف أن الوحدة التي خدم بها أشعلت النار في 20 منزلًا على الأقل خلال 5 أشهر، مشيرا إلى أن نظام الانضباط الذي يُحمِّل الجنود مسؤولية أعمالهم لم يجر تفعيله.
كما قال جنديان "إسرائيليان" للصحيفة إنهما لن يعودا للخدمة العسكرية في غزة بعد السلوك الذي شهدوه من زملائهم.
توثيقٌ ونشرٌ مباشر للجريمة
وخلال الأيام الماضية، تداول رواد مواقع التواصل الاجماعي مقاطع فيديو لجنود الاحتلال "الإسرائيلي" وهم يحرقون إمدادات الطعام والشراب المقدمة لأهالي قطاع غزة في حي الشجاعية بابتسامة واسعة واستمتاع واضح.
وأظهر مقطع الفيديو جنديين "إسرائيليين" يستعرضان أمام الكاميرا إحراقهم لصناديق المساعدات الغذئية المقدمة لأهالي القطاع، في ظل تفاقم أزمة الجوع ونقص المواد الغذائية منذ شهور.
ومن جهتها، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن "الجيش الإسرائيلي" أمر جنوده بعدم نشر صورهم أو مواقعهم على وسائل التواصل الاجتماعي خشية من شكاوى قد تقدمها منظمات مؤيدة للفلسطينيين.
وقالت الصحيفة العبرية، إن "منظمات مؤيدة للفلسطينيين قامت بإعداد قوائم سوداء بأسماء جنود وضباط شاركوا في الحرب".
وأكدت، أنّ "إسرائيل" جندت عشرات المحامين في دول مختلفة استعدادًا لتقديم الدعم القانوني إذا استدعى الأمر، في ظل الضغوط الدولية على الجيش الإسرائيلي.
مطاردةٌ قانونية وأدلَّةٌ موثَّقة
ويُذكر، أن عددًا من المؤسسات الحقوقية تقدّمت بشكاوى ضدّ عدد من جنود الاحتلال بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في غزّة، مستدلَّةً بمقاطع فيديو وصور نشرها الجنود أنفسهم خلال حربهم في القطاع.
وأمس الثلاثاء، نشرت تقارير صحفية تفاصيل حل اتهام مؤسسة هند رجب ، وهي منظمة غير ربحية مقرها بروكسل، الملحق العسكري الإسرائيلي الجديد في بلجيكا بارتكاب بـجرائم حرب تتمثل بـ "تنظيم المجاعة واستهداف المرافق الصحية".
وتقدمت مؤسسة هند رجب التابعة لحركة 30 مارس، والتي أسست في أعقاب بدء الحرب في قطاع غزة، بشكوى ضد ألف جندي إسرائيلي، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في القطاع إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وكان العقيد موشيه تيترو يشغل منصب رئيس الوحدة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر في وقت سابق من هذا العام.
ووصف رئيس مؤسسة هند رجب، ذياب أبو جهجه، موشيه بأنه "شخصية رئيسية في تنفيذ السياسة الإسرائيلية تجاه المستشفيات واستراتيجية المجاعة والعطش كسلاح حرب".
وقالت المؤسسة إنها قدمت شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد تيترو، مسلطة الضوء على "دوره في تنظيم المجاعة واستهداف المرافق الصحية".
وفي 18 نوفمبر الماضي، كشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن ضابطا بجيش الاحتلال الإسرائيلي اضطر للهروب من قبرص، حيث كان في رحلة سياحية برفقة زوجته، تجنبا لـ"مطاردة قانونية".
وأشارت الصحيفة إلى أن هروب الضابط إليشا ليفمان جاء بعد نشر مؤسسة "هند رجب" البلجيكية مقاطع مصورة له وهو يقاتل في قطاع غزة، ويقول في أحدها "لن نتوقف حتى نحرق غزة كلها".
وبحسب الصحيفة، فقد تلقى الضابط اتصالا عاجلا من وزارة خارجية الاحتلال التي اجتمعت مع وزارة العدل، وقررت أن على الضابط مغادرة قبرص فورا قبل أن يلاحق بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
وجاء في موقع مؤسسة "هند رجب" أن الشكوى التي قُدمت من طرف المنظمة الحقوقية تشمل تصوير الضابط ليفمان وهو يشعل النار في ممتلكات مدنية، كما شُوهد وهو يشير إلى منازل مدنية مدمرة في غزة، ويتحدث عن تهجير الفلسطينيين بالقوة وتشجيع الاستيطان.