فلسطين أون لاين

"مهنيَّتُهم على المَحك"

الصَّحفيُّون الأجانب.. تدفُّقٌ نحو (إسرائيل) وغزَّة خارج التَّغطيَّة!

...
غزة / علي البطة

كشفت التَّقارير العبرية عن تدفُّق ملحوظ للصحفيين الأجانب إلى الكيان "الإسرائيلي"، في ظل استمرار محاولته في التويج للسردية المضللة ليخدع بها العالم الذي يضج بجرائمه ضد الفلسطينيين.

ووفق مكتب الصحافة "الإسرائيلي"، فإن أكثر من 4000 مراسل غربي وصلوا الأراضي الفلسطينية المُحتلة منذ 7 أكتوبر 2023 حتى 7 ابريل 2024، منهم 824 صحفيًا أميريكيًا، و595 بريطانيًا، و488 فرنسيًا، و170 من ألمانيا.

ويرى الخبير في الشأن "الإسرائيلي" انطوان شلحت، أن توافد هذا العدد الكبير وغير المسبوق من الصحفيين يؤشر إلى التعاطف مع الاحتلال باعتبارها ذراع العالم الغربي في الشرق، مثلما دأب الغرب على التباهي صباح مساء، وهو تعبير عن حالة الازدواجية في التعامل مع الحقائق وغياب المهنية.

وقد أثبتت الحرب الحالية -وفق حديث شلحت لـ"فلسطين أون لاين"- أن "إسرائيل" محمية أميركية أولًا وقبل أي شيء، وكذلك محمية غربية. 

وأشار إلى أن ذلك برز من خلال الدعم السياسي وكذلك، وهو الأهم، من خلال الدعم العسكري، والمقصود الدعم بالذخيرة والسلاح.

وعلى مدار الأشهر الماضية، ورغم بعض التحقيقات والتقارير التي حاولت عكس حقيقة ما يجري من إبادة في قطاع غزة، إلاّ أن الاتجاه العام للتغطية في وسائل الإعلام الغربية خضع للتضليل "الإسرائيلي" وكان أسيرًا للسردية "الإسرائيلية" القائمة على تلفيق الأكاذيب.

وأكد شلحت، أن مجرد قدوم هؤلاء الصحافيين إلى "إسرائيل" سيبقى محكومًا بأمرين: الأول، تغطية تداعيات الحرب على "إسرائيل" ولا سيما تعرض مدنها ومستوطناتها للقصف الصاروخي وهجوم المسيرات ما يلحق بها أضرارا مادية وخسائر بشرية. 

والأمر الثاني، خضوع هؤلاء الصحافيين إلى إجراءات الرقابة العسكرية "الإسرائيلية" الصارمة والتي تفرض تعتيمًا كاملًا على الحقيقة والوقائع... ويؤثر هذان الأمران في الأداء المهني على نحو أكيد.

وفي حين تسهل "إسرائيل" وصول الصحفيين الأجانب إلى كيانها فإنها تمنع وصول الصحفيين الحر إلى قطاع غزة الذي قتلت وأصابت 150 ألفا من سكنه وحولت البقية إلى نازحين مهجرين لا يجدون الطعام والدواء.

"فرض السَّرديَّة الإسرائيلية"

ولفت شلحت إلى أن منع هؤلاء الصحافيين من الذهاب إلى غزة يهدف إلى فرض السردية "الإسرائيلية". وقال: لا شك في هذا.

يبقى السؤال -وفق شلحت- فيما إذا كان هؤلاء الصحافيون لديهم قدر من المهنية بحيث لا يسلمون أنفسهم للسردية "الإسرائيلية" ويجدون الطرق المناسبة للالتفاف على كل التعتيم "الإسرائيلي". وهذا واجب مهني وإنساني وأخلاقي.

وقال: أعتقد أن الأهم من سؤال الحياد أو الانحياز هنا هو السؤال الأخلاقي الذي ينتصب أمام حرب إبادة جماعية للبشر والحجر. هذا السؤال طرحته الحرب الحالية بكل الحدة ويلزم أن نخضعه للفحص في ممارسة كل صحافي بشكل منهجي ومثابر... وهذه مهمة مستمرة. وقد تكون أكثر إلحاحًا في المستقبل.

أما الإعلامي الفلسطيني المخضرم فايد أبو شمالة، فيرى أن توافد أعداد كبيرة من الصحفيين إلى "إسرائيل" يدل على حجم اهتمام الإعلام الدولي بما حدث منذ السابع من أكتوبر والتطورات الميدانية التي تلته ومآلات الأمور عسكريا وسياسيا. 

وأشار أبو شمالة في حديثه مع "فلسطين أون لاين" أنه لا يمكن الحكم بالتعميم على مستوى مهنية هؤلاء الصحفيين، مبينا أنه يلزم عمل دراسة خاصة حول منتجاتهم الإعلامية للخروج بنتائج.

واستدرك قائلا: لكن حسب التجربة الشخصية أغلب هؤلاء يمثلون الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي المعروف بـ "main stream media “. تتخذ لها مكاتب معتمدة لدى الاحتلال وتنضبط بتعليماته ولاحظنا أنهم غابوا عن غزة بل وطلبوا من موظفيهم الفلسطينيين في غزة المغادرة.

وأضاف: مع ذلك ربما هناك من جاء من مؤسسات مهنية بحثت عن الحقيقة.

وأشار إلى أنه يعلم أن هناك أعدادًا من الصحفيين تقدموا بطلبات للوصول الى غزة لتغطية الحرب لكن الجهات "الإسرائيلية" رفضت منحهم الموافقة.

أهداف خطيرة

وقال، إن "ذهاب الصحفيين لغزة هو أمر إيجابي ومطلوب ولو من الناحية الشكلية لأنهم سيكونون أقرب إلى القضية والشعب وتلمس المعاناة ومع ذلك فنسبة منهم كانت ستبحث عن ثغرات أو ثقوب في الثوب الفلسطيني وربما بعضهم يقوم بجهد أمني في البحث عن الأسرى أو معلومات تفيد الاحتلال".

ورأى أن عدم موافقة الاحتلال على وصول الصحفيين إلى غزة لأن وجودهم في الميدان يعقد هجماته المدمرة وتصرفاته ومجازره. 

وبدوره، أكد د. حسن مرهج الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنه تاريخياً، لم تُسجل أعداد كبيرة من الصحفيين الغربيين في فترة قصيرة مثل هذه، خاصة في سياقات النزاعات.

وقال مرهج لـ"فلسطين أون لاين": عادةً ما تتفاوت الأعداد وفقاً للأحداث السياسية والأمنية، لكن 4000 صحفي في فترة زمنية قصيرة يعد رقماً غير مسبوق، لكن طبيعة الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" إضافة إلى طبيعة الحدث الذي جاء بعد عملية طوفان الأقصى، فإن ذلك يُشكل مادة دسمة للإعلام، وحرب كهذه بما تضمنته من تغييرات عميقة قد لا تحدث خلال عقود.

وأضاف: ليس من المستغرب أن يصل هذا العدد من الصحفيين لتغطية مجريات الحرب، وبصرف النظر عن صحة التقديرات حيال ذلك، إلا أن أهمية الحدث ومساراته المتعددة من غزة إلى لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق واليمن، فهذا الأمر مدعاة للتغطية الإعلامية بالمستويات.

ورأى أن العدد الكبير يُشير إلى اهتمام عالمي متزايد بالصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني، وقد يعكس أيضاً أهمية الأحداث الجارية في السياق الإقليمي والدولي.

وأضاف أن ذلك قد يدل على رغبة وسائل الإعلام في تغطية الأحداث بشكل شامل، خاصة أن هذه الحرب تحتوي على مواد صحفية يمكن توظيفها واستثمارها في العديد من مسارات الإعلام، لا سيما أن مجريات الحرب وشدتها قد تكون أرضية للعديد من الأفلام الوثائقية، ومواد التحليل والرأي.

التأثير على الرأي العالمي

والأهم باعتقاد مرهج، أن الصورة التي أُخذت قد تكون بوابة الكثير من المعطيات الإعلامية، وهذا ما يمكن أن نُسميه ما وراء الصورة، بمعنى الاحتفاظ بـ صورة الدمار وصورة المدنيين النازحين والعديد من الصور التي تشكل أرشيفاً لأي صحفي.

ونبه مرهج إلى أن الغرب متعاطف مع الرواية "الإسرائيلية"، ووسائل الإعلام الغربية أيضاً تنحاز إلى الرواية "الإسرائيلية"، لكن بالمشهد العام قد تختلف الأهداف والأساليب بين الصحفيين، فـبعضهم قد يسعى لتغطية الأحداث بشكل مهني وموضوعي، بينما قد يكون آخرون متأثرين بوجهات نظر معينة أو تحيزات. 

وقال: لا يمكن تعميم الأمر على الجميع، ويكفي القول بأن نقل مشاهد القتل والدمار غير المسبوق قد تكون أحد أسباب الإطاحة السياسية بـ نتنياهو.

وأشار على أن هناك اعترافًا صريحًا بأن بعض وسائل الإعلام الغربية تميل إلى تقديم الرواية الإسرائيلية بشكل أكبر، ومع ذلك، هناك أيضاً وسائل إعلام تسعى لتقديم تغطية موضوعية ومتوازنة، فالأمر يعتمد على الوسيلة الإعلامية والصحفي الفردي، والوسيلة الإعلامية الغربية في منظورها العام تتبنى الرواية الإسرائيلية، والصحفي الفردي هو أيضاً محكوم بضوابط وقواعد العمل الإعلامي في "إسرائيل" ولا يُسمح له بتخطي تلك القواعد.

وشدد مرهج على أن التغطية الإعلامية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام العالمي، فـ إذا كانت التغطية تميل نحو رواية معينة، فإن ذلك يمكن أن يؤثر على كيفية فهم الناس للصراع ودعمهما لأي من الجانبين.

المصدر / فلسطين اون لاين