بعد عام قادم يكتمل العقد الثالث لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الميمونة. ثلاثة عقود إلا عاما واحدا من العطاء المتواصل والمتجدد والمتراكم للمارد الأخضر الذي ضرب المثل الذي لا يبارى في مقاومة العدو الصهيوني، ابتداء من الحجر في عام ١٩٨٧م وانتهاء إلى الصاروخ والأنفاق في حرب عام ٢٠١٤م، التي كسرت نظرية الردع عند العدو الصهيوني، وما تزال هذه الحرب قيد التداول والتحقيق، والكشف عن تقصير نتنياهو، وضعف استعداد جيشه.
نحن اليوم على مسافة عامين من حرب العصف المأكول ٢٠١٤م، وما زالت حماس في عنفوانها وشبابها، وما زال القسام يراكم قوته العسكرية معتمدا على نفسه لا على الآخرين، لكي يبقى حرّ اليدين فيما يعمل له. ما زالت حرب الأنفاق على أشدها، وهي تميز لغزا عند العدو لا يكاد يجد له حلا ناجعا. هو يعلم بوجود الأنفاق، ولكن ليس لديه العلم والخبرة في كيف يحاربها، أو يعطل دورها في المعركة القادمة.
إن ما يميز انطلاقة (٢٩) أنها تأتي في زمن العالم العربي يزداد فيه تمزقا بحروب أهلية داخلية تكاد تصرفه عن متابعة القضية الفلسطينية وتطوراتها، لذا تجد حماس وغيرها ترى أن الاعتماد على النفس والساعد هو الحلّ الوحيد لمعالجة الاختلال في الأوضاع العربية، التي هي ذاهبة في رأي بعضهم إلى سايس بيكو (٢).
إن التمزق الذي تعاني منه الأنظمة العربية في العراق وسوريا واليمن وليبيا، لا يعني أن الحالة الفلسطينية وبالذات على مستوى حركة فتح أحسن حالا في هذا المجال من البلاد العربية، فقد انتهى مؤتمر فتح السابع بإقصاء كلي أو شبه كلي لفريق واسع من أبناء حركة فتح، مع جفاء في العلاقات مع الرباعية العربية.
تأتي الانطلاقة (٢٩) وما زال الانقسام الفلسطيني قائما، وما زالت فتح والسلطة ترفض تنفيذ ما تمّ التوافق عليه في القاهرة أو في الشاطئ، وما زال عباس يتحكم منفردا بالقرار الفلسطيني، وما زالت الأجهزة الأمنية في الضفة تقمع المقاومة الفلسطينية وتصادر أسلحتها، وتقيم تنسيقا أمنيا غير قابل للتوقف مع العدو الصهيوني، حتى ولو شرع الكنيست البؤر الاستيطانية والاستيطان في الأملاك الخاصة للمواطنين في الضفة؟!
تحتفل حماس بالانطلاقة (٢٩) وعينها مركزة على تحرير الأسرى الفلسطينيين. صحيح لا يوجد تقدم يذكر في ملف الأسرى، ولكن حماس لا تقدم أدنى معلومة للعدو عما عندها قبل أن تقبض الثمن. تسع وعشرون عاما وحماس تعمل من أجل تحرير الأسرى، وهي لن تتوقف عن العمل لتحريرهم بكل الطرق الممكنة، وهذا واجب وطني عليها، كما هو واجب شرعي، له أصوله شرعية التي تحدده وتوضحه.
الاحتفال بالانطلاقة ليس إلا عملا رمزيا تقدمه حماس بين يدي أنشطتها السنوية الدائمة للعمل للمقاومة، والارتقاء بها إلى التحرير. إن الاحتفال يشحذ الهمم، ويشعل العواطف، ويخلد ذكرى الشهداء والمؤسسيين، ومن سبقوهم بإحسان للقاء ربهم. الانطلاقة يوم ذكرى، ويوم احتفال شعبي وجماهيري، ويوم تجديد للبيعة والعمل لفلسطين، وهو يوم نقول فيه للناس كل انطلاقة وأنتم إلى التحرير والقدس أقرب.