اتفاقية ثلاثية الأبعاد: إيران، التسليح، وفضّ الجبهات، ثلاث نقاط أشار إليها نتنياهو في خطابه الترويجي للاتفاقية التي تشبه، إلى حد بعيد، معاهدة "فرساي" الخاصة بالمنطقة، مخاطبًا الشارع الإسرائيلي، رغم أنّ الجمهور المستهدف كان المجتمع الدولي. فما الذي يكمن خلف هذه الاتفاقية؟ وما هي أبعادها؟
وصف إيران ليس محض صدفة، وليست مجرد استهلاك للرأي العام العابر، على الأقل ليس هذه المرة. فوصف إيران بمحور الشر ليس بالأمر الجديد، فقد استعمله نتنياهو خلال العقد الأخير كذريعة لقتل القضية الفلسطينية في المقام الأول؛ لأن البعد الإيراني يشكل البعد الجيوسياسي لوظيفة إسرائيل في المنطقة.
تحديدًا الآن، حيث تُرسم أبعاد علاقاتها الدولية والإقليمية من جديد، تحاول إسرائيل في هذه الاتفاقية تكريس معنى "شرطي الإقليم"، وهو المفهوم الذي ذكره نتنياهو في خطابه الأخير في الأمم المتحدة، حول "حلف الخير وحلف الشر الإقليمي". وبالتالي، إذا أرادت إسرائيل تشكيل هذا الحلف حولها، بحيث تكون الأطراف إما معها أو ضدها، كان عليها استغلال هذه الجبهة لترسيخ هذا المفهوم.
ولذلك، لن تقبل إسرائيل بالدخول إلى لبنان والخروج دون إحداث تغيير سياسي واضح – على الأقل فيما يتعلق بمدى ضلوع "محور الشر"، وفق تعريفها – في هذه الدولة.
ترتيب الصفوف كان أمرًا لازمًا بالنسبة لإسرائيل. لقد حاولت تحقيق ذلك عسكريًا، إلا أن الضربات الجوية لم تحقق الهدف، وميدانيًا واجهت مقاومة قوية تمثلت في عدّاد قتلى وجرحى امتلأ سريعًا بالأرقام الثلاثية.
هذا الوضع دفع إسرائيل للجوء إلى الورقة الدبلوماسية كخيار حتمي، عاجلًا أو آجلًا؛ لترجمة الضربات التكتيكيّة إلى محصلات إستراتيجية. فبالنسبة لإسرائيل، ما كان قبل هذه الحرب يجب ألا يكون كما بعدها.
الرسائل هنا موجهة إلى إيران وحلفها في سوريا، والعراق، واليمن، وكذلك إلى دول قريبة من مسار التطبيع، التي تحتاج لصك ضمان بأن تحالفها مع إسرائيل يعكس مصالح متقاطعة مع دولة قوية.
لذلك، عملت إسرائيل على ترجمة بنود الاتفاقية وفق "فنتازيتها"، كورقة استسلام شبيهة بأوراق استسلام اليابان وألمانيا إبّان الحرب العالمية الثانية، تحكمها لجنة معينة. ومع ذلك، فإن حسم هذا البعد لا يزال مبكرًا، فهو يقاس على المدى الطويل.
بيدَ أن هناك أسئلة عديدة تُطرح حول وظيفة اللجنة الخماسية: هل تقتصر على ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان؟ أم ستتعدى ذلك لترسيم الحدود السياسية الداخلية للبنان؟
البعد الثاني: إعادة التسليح
ذكر نتنياهو أهمية إعادة تسليح الجيش الإسرائيلي المرهق، حتى يستعيد عافيته، مشيرًا إلى البعد الإستراتيجي الذي يرسم العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. يأتي هذا الاتفاق ليثبت أن إسرائيل ليست حرة تمامًا في تصرفاتها ما بعد البحر والنهر، بل هي ملزمة بدفع صكوك الطاعة للرغبات الأميركية مهما حاولت المناورة والتهرب. فدائمًا هناك منفذ يمكن للولايات المتحدة اللجوء إليه إذا تمردت إسرائيل.
نتنياهو، الذي تلاحقه مذكرات اعتقال، خرج يوم أمس بإعلان قبول إسرائيل للاتفاق، متذرعًا بأهمية "إراحة الجنود"، ومشيرًا إلى اعتبارات تسليحية، ربما تعكس ضغوطًا أميركية. هذه الضغوط ارتبطت بإشارة الرئيس الأميركي جو بايدن قبل يومين إلى ضرورة تسريع تحرير جزء من الرزم العسكرية العالقة. هذا الأمر ترافق مع تهديد هوكشتاين بسحب ورقة الوساطة، وهي ورقة يحتاجها نتنياهو بشكل عاجل في ظل "ضعفه" الناتج عن مذكرات الاعتقال.
البعد الثالث: فضّ الساحات
لا يمكن إنكار أن هذه الجبهة كانت الأكثر إيلامًا بالنسبة لإسرائيل، بل إنها أوجعت الجبهة الداخلية بعمق. لذلك، وجب عليها التخلص من هذه الجبهة على المدى الميداني؛ لتحقيق صورة نصر عاجلة أمام الشارع الإسرائيلي، مثل إعادة السكان إلى بيوتهم؛ لبناء الثقة والعقد الاجتماعي بين المجتمع والدولة.
ومع ذلك، تبقى الحاجة ملحّة إلى تعجيل فضّ الجبهات؛ لتحقيق أهداف ميدانية وأمنية واقتصادية وسياسية، لأن هذه الحرب كشفت أنه من شبه المستحيل لإسرائيل التعامل وحدها مع تصعيدات متزامنة. بالتالي، فإن أية اتفاقية تُخمِد أية جبهة بعيدة عن البحر والنهر، هي هدف يجب ترسيخه سريعًا، خصوصًا أن نتنياهو يسعى لإبادة القضية الفلسطينية، عبر تركيزها في غزة، وربط غزة بحماس، وتصوير حماس كبُعد إيراني فقط.
خلاصة:
تعاني إسرائيل من انقسامات سياسية عميقة، واحتجاجات داخلية ضد سياسات الحكومة، بالإضافة إلى مشهد اقتصادي هشّ. وبالتالي، فإن التهدئة على الجبهات الخارجية تخفف من الضغط الداخلي، وتتيح للحكومة التعامل مع أزماتها.