كالملح على الجرح تفرض "معركة" توفير حفاضات الأطفال نفسها يوميا على النازحة ريم أبو كلوب المنهكة بالجوع والفقر والنزوح وتداعيات حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتجوب ريم بين كر وفر سوق دير البلح باحثة في بسطات البائعين عن الحفاضات الشحيحة ومرتفعة الثمن إن توفرت لطفليها، حالها كحال الأمهات والآباء في قطاع غزة.
ويصل ثمن الحفاضة الواحدة نحو سبعة شواقل، بينما يتراوح سعر كيس يشتمل على 40 حفاضة بين 160 و250 شيقلا أو يزيد وهي تسعيرة غير رسمية، ارتفاعا عن 20 شيقلا في فترات سابقة.
وتحارب جهات مختصة في السوق بيع الحفاضات بأسعار غير رسمية.
وفاقم الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني منذ مايو/أيار وتلاعبه بحركة دخول البضائع والسلع والمساعدات للقطاع عبر حاجز كرم أبو سالم التجاري معاناة الغزيين المنهكين بحرب الإبادة.
ولدى ريم طفلان أحدهما يبلغ عاما ونصف العام والآخر أربعة أعوام وكلاهما يحتاج الحفاضات، وعن ذلك تقول: إن طفلها الأكبر لم يكن يرتدي الحفاضات قبل الحرب، لكن القصف والخوف والبرد والعيش في خيمة النزوح أصابوه بمشاكل في المثانة أدت إلى التبول اللاإرادي.
ومع كفاح ريم للحصول على الحفاضات بسعر أقل من إحدى البسطات، توضح لـ"فلسطين أون لاين" أن زوجها غير موظف ولا مصدر دخل ثابت له ويعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، لا يستطيع تلبية أدنى متطلبات الحياة لهم وفي مقدمتها الطعام، وبالتالي لا قدرة له على توفير الحفاضات.
وبنبرة تكاد أن تنفجر من الغضب وقلة الحيلة، تتابع ريم: لو توفر لدينا بعض الطعام حتى مع احتياجنا له نبيعه بسعر أقل لنتدبر أمر الحفاضات.
وتراكمت الديون على ريم وزوجها في محاولتهما لتوفير الحفاضات وبعض المستلزمات الأساسية للعيش.
ويترافق ذلك مع أزمات مزمنة أخرى تسببها حرب الإبادة الجماعية كشح الدقيق والحليب والأرز وانعدام وجود اللحوم والدواجن والفواكه، وسط تحذيرات منظمات دولية من أن المجاعة التي تحققت بالفعل في شمال القطاع قد تنتقل إلى جنوبه.
وتنفي ريم أن تكون قد استلمت أي حفاضات من أي جهة دولية منذ إجبارها على النزوح من رفح قبل ستة أشهر.
ونزحت ريم تسع مرات انطلاقا من معسكر الشاطئ غرب غزة بفعل حرب الإبادة.
ويمثل عدم القدرة على توفير الحفاضات باستمرار كابوسا ومشكلة معقدة لريم، إذ إن معناه تبول أطفالها على ملابسهم المتوفرة بالكاد، واضطرارها إلى غسلها مرات عدة في فترة قصيرة مع غلاء أسعار المنظفات.
وخلال أكتوبر/تشرين الأول وبذريعة ما تسمى "الأعياد اليهودية" أغلق الاحتلال حاجز كرم أبو سالم وشدد قيوده، وتوقف دخول الشاحنات الإغاثية والتجارية، ما سبب انعكاسات مباشرة على حياة الغزيين.
وتفيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" بأن كمية الإمدادات التجارية والإنسانية التي دخلت القطاع في سبتمبر/أيلول كانت الأدنى منذ مارس/آذار 2024 على الأقل، ولاحظت أن هذه الحالة يتوقع أن تشهد قدرا متزايدا من التدهور.
وكانت حاجة القطاع اليومية قبل الحرب تزيد على 500 شاحنة محملة ببضائع وسلع متنوعة كانت تدخل عبر "كرم أبو سالم".
مفاضلة بين الخبز والحفاضات
ويبدو الأرق أيضا جليًا على ضياء أبو شمالة النازح من رفح والأب لطفلين أحدهما يبلغ عامين ونصف العام والآخر عاما.
ويحاول الرجل جاهدًا توفير الحفاضات التي يفوق ثمنها ما يجنيه من مال مقابل عمله، إذ إنه يتقاضى 250 شيقلا أسبوعيًا ولا يكفي هذا المبلغ لسد حاجة طفليه معًا إلى الحفاضات.
ويشكو في حديثه مع "فلسطين أون لاين" من الارتفاع المتصاعد في أسعار الحفاضات قليلة التوفر لتصل أحيانا إلى 300 شيقل للكيس الواحد.
ويعتقد أبو شمالة أن بعض من يستلم الحفاضات من منظمات دولية لا يستحقها ويبيعها بأثمان مرتفعة، نافيا استلامه أي حفاضات منذ بداية حرب الإبادة.
وعلى أي حال يجد نفسه مجبرا على شراء الحفاضات، قائلا: الحفاضات أمر حساس للأمهات والآباء ولا غنى عنها.
ويقدر حاجته إلى 1600 شيقل شهريا لتوفير الحفاضات ما يدفعه إلى الاستدانة إن تمكن.
وكثيرا ما يجبر أبو شمالة على المفاضلة بين الحفاضات والخبز الشحيح.
وفي سوق دير البلح أيضا، كانت جدة لأربعة أطفال تبحث بوجه شاحب عن الحفاضات لهم.
وتقول السيدة النازحة التي طلبت عدم ذكر اسمها: "لدي طفلتان تبلغان عامين، وطفلة عاما، وأخرى خمسة أعوام لكنها من ذوي الاحتياجات الخاصة".
ويعمل اثنين من أبنائها أحيانا سائقي أجرة لكنها تبين لـ"فلسطين أون لاين" أنهما لا يجنيان ما يكفي لسد الحاجات الأساسية وفي مقدمتها الحفاضات، بينما يعاني زوجها المسن من مرض السكري ويعجز عن العمل.
وإذا ما سدت السبل أمامها فإنها تلجأ إلى حفاضات كبار السن إن توفرت أو النايلون لمحاولة منع التسريب.
وبلا أفق لحل الأزمة ما استمرت حرب الإبادة كأنما يدور الآباء والأمهات في طاحونة من القهر وفقد الحيلة أمام توفير أدنى مستلزمات الحياة ومنها حفاضات الأطفال.